تقف المرأة في منتصف طريقها لتتساءل: أين الصغيرة التي كنتها يومًا ما؟ أين الطفلة التي كانت تتقافز وتركض بلا تفكير في جسدها؟ أين المراهقة التي كانت تحتفي بأنوثتها على استحياء، وأحيانًا تخافها وتحاول أن تطمس معالمها؟ أين الشابة التي كانت تدير الأعناق بنضارة جسدها؟ أين الأم الصغيرة ذات الجسد المتفجر بالأمومة؟ أين الجسد الثلاثيني الفائر الذي كان يسهل التحكم به؟ لا تدري المرأة أن الجسد مثل القلب يتغير مع العمر، يقوى ويضعف ويشيب ويرق. فكيف يستعد جسدك للتغيرات الهرمونية؟ ولماذا تتغير الهرمونات أصلاً؟ وما أهم نصائح بعد الولادة مباشرة ؟
تغير الهرمونات: كيف يستعد جسدك لأداء وظائفه؟
هناك أربع محطات أساسية في تغير جسد المرأة، المراهقة، والحمل، والولادة، وانقطاع الطمث. ما يميز التغيير في كل مرحلة هو حاجة المرأة الجسدية لهذا التغيير، فالطفلة تحتاج إلى جسد المراهقة بالامتلاء الجميل الذي يناسب نمو عقلها ورغبتها في إبراز شخصيتها. والشابة تحتاج إلى الجسد المناسب لحمل طفل سليم معافى والقدرة على منحه الحياة. والأم تحتاج إلى جسد فتي يعينها على مهامها الشاقة. وفي مرحلة ما تحتاج إلى الراحة من آلام الطمث وتخوف الحمل في سن كبيرة، مما قد يؤذي صحتها. الرابط في هذه التغييرات هو الهرمونات التي تعمل على الحفاظ على جسم المرأة في أنسب صوره لتحمل وظيفته، فلكل هيئة جسدية جمالها ومصادر قوتها وجاذبيتها. ومع التغييرات المقبولة تأتي تغييرات أخرى تؤلم نفسية المرأة رغم أنها علامات على التحقق الذي وصلت له.
الصورة المثالية للحمل والولادة
يعد أكبر وأسرع تغيير في جسد المرأة، عندما تحمل وتبدأ بطنها بالانتفاخ وجلدها بالتمدد، يصور الإعلام دائمًا المرأة الحامل على أنها رشيقة ببطن صغير مستدير يزيدها جمالاً، في الأفلام تلد المرأة وهي بكامل زواقها محافظة على تسريحة شعر جذابة. وتخرج من الولادة ببطن مشدود ووجه نضر. لا تلتقط الكاميرات ترهلات جسد الحمل والولادة ولا تركز على الكلف في وجهها أو علامات التمدد على جلدها. يبيع الإعلام والدراما الوهم للرجال والنساء، ويصيبهم بصدمة أن الجسد ليس وحدة ثابتة غير قابلة للتغيير، لا يظهر الأمومة الحقيقية والإرهاق الحقيقي وتغييرات الجسد التي تنبئ عن مولد طفل حقيقي وليس قطعة ديكور. كل علامات الحمل التي يتركها على الجسد هي تذكارات مؤقتة لوقت حقيقي وحدث عظيم، يثمر عن روح وحنان لا نهاية لهما. إن تغيير جسد المرأة في الحمل وبعد الولادة أشبه بالزهرة التي تتفتح وكل مساحة ضعف هي قوة وقدرة أتيحت لها هي فقط.
أثر الكلام السلبي على تغيير جسد المرأة في الحمل والولادة
- “أخبرني زوجي بعد الولادة أنني أحتاج إلى عملية تجميل، وكنت أحاول أن أجريها بسبب الإحراج”.
- “مناخيرك كبرت وفرشت على وجهك.. ملامحك أصبحت غليظة”.
- “صدرك أصبح مطعمًا.. لن يعود كما كان”.
- “شعرك يتساقط”.
- “وجهك ممتلئ بالحبوب”.
- “عندك (ستريتش ماركس)”.
- “نسيتي طفل بداخل بطنك؟ هاهاها”.
- “ولدتِ قيصريًا.. لن تفقدي وزنك بسهولة وأصبح عندك علامة”.
- “ولدتِ طبيعيًا.. مهبلك تغيّر”.
شعرت بالأسف الشديد عندما سمعت هذه التعليقات بسؤالي في مجموعة نسائية عن أهم التعليقات عن أجسادهن بعد الحمل والولادة. وأكثر أسفي كان على الزوج، المشارك والشريك، الذي يلقي بمثل هذه التعليقات ولو على سبيل الهزار، غير عابئ بنفسية زوجته والأثر السيئ الذي تركه بها، حتى لو ضحكت على هزاره. الناس لا يعرفون النغزة التي تصيب قلب المرأة المرهف بعد الحمل والولادة جراء كلامهم والتعليقات التي ورثوها دون تفكير، عن أجيال لم تعرف معنى التنمر والأذى النفسي. والآن مع إدراكنا الكامل للمؤذي وغير المؤذي كيف يساهم زوج أو حماة أو قريبة أو صديقة في إيذاء امرأة في أكثر مراحل حياتها احتياجًا للدعم؟ إن شعور المرأة بالتغيير الجسدي من أهم أسباب اكتئاب ما بعد الولادة. وواجب كل من حولها مساندتها وتشجيعها على المضي قدمًا من هذه الفترة الحرجة والمؤقتة.
كيف تحبي جسدك بعد الولادة
أن تكوني أمًا يعني أنك امرأة قوية وجميلة، لأنك استطعتِ أن تحملي روحًا بداخلك، ولأنك استطعتِ أن تتحملي تبعات ذلك، كل المؤثرات والتعليقات الخارجية لا معنى لها، لأن جسدك هو الذي أتم المهمة بكل حب، وهو الذي تغير إزاء ذلك بكل رضا. من حقك أن تتدللي على زوجك وأهلك وتطلبي منهم المساعدة ولا تخجلي من ذلك، كما لا تخجلي من صد أي محاولة ولو بالهزار للسخرية من جسدك، اعرفي أنه من الطبيعي أن تبكي بلا سبب، وأن تصابي بنوبات قلق وهلع وغضب وتغيير في المزاج. لكن كأم لسنوات طويلة أعرف تمامًا أن كل هذا يمر، وحتى الجسد يعود بنسبة كبيرة، وتبقى ذكرى الصغير الناعم. أما عن جسد الحمل والولادة الجديد فمن الجميل أن تحتفي به وتدلليه وتهتمي به. ارتدي أجمل فساتينك وتصوري مثل نجمة، بتعبك وكلفك وانتفاخك أنتِ جميلة واستثنائية لأنك أم.
نصائح بعد الولادة مباشرة تعيد إليكِ جسدك
1. ابحثي ن راحتك: إنها فرصتك للراحة. لا ترهقي نفسك غير بالاهتمام بالطفل، خصوصًا في الأسابيع الأولى، نامي معه واسهري معه وخصصي كل الوقت له ولراحتك. لا ترهقي نفسك بالخروج وتحضير الوجبات الصعبة أو الأعمال المنزلية، إذا اضطررتِ لاستقبال الضيوف فأنتِ لستِ مضطرة للمبالغة في الترحيب بهم وامتاعهم.. أهم شيء راحتك.
2. اطلبي المساعدة: تذكري أنه يمكنك ذلك دائمًا حتى تتعافي تمامًا. يمكنك أيضًا تنظيم المهام بوضوح حتى تسهلي الأمور. مع الوقت المخصص للطفل احرصي على أن تداوي جروحك وتهتمي بندوبك، لا تهملي أي عرض تشعرين به وراجعي طبيبك دائمًا.
3. نظام غذائي صحي: بمساعدة متخصص في التغذية ابدئي ضبط روتين طعامك. من قال إن بعد الولادة لا يمكن أن تنظمي طعامك؟! كل ما عليكِ هو الإكثار من شرب السوائل وتناول البروتين والخضر والفاكهة، قللي من السكريات والنشويات لأنها لا تضيف لكِ إلا الوزن.
4. ممارسة الرياضة: من قال إن بعد الولادة لا يمكن أن تلعبي رياضة؟ مع الالتزام بإرشادات الطبيب يمكن ممارسة رياضة خفيفة تساعد على تقوية العضلات وشد الجسد من جديد، بما فيها تمرين “كيجل” لشد المهبل.
5. خصصي وقتًا لنفسك: بعد أن تنتظم الرضاعة يمكن لكِ أن تتغيبي ولو لساعة واحدة كل يوم عن طفلك. اخرجي في تمشية قصيرة، اقرئي كتابًا، شاهدي مسلسلاً، حضري مشروبك المفضل وانعزلي عن العائلة ولو لساعة كل يوم. هذا الوقت سيساعدك لتستعيدي صفاء روحك ومحبتك لنفسك وجسدك.