ختان الإناث: كيف بدأت كراهية جسدك

2737

ختان الإناث يُعرّف وفق منظمة الصحة العالمية بكونه عملية تشويه للأعضاء التناسلية الأنثوية عن طريق الاستئصال الجزئي أو الكلي للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى، أو أي ضرر متعمد يتم للأعضاء التناسلية الأنثوية، لأسباب غير طبية. لذا فاليوم سنتعرف على أضرار ختان الإناث بالتفصيل، وكيف يمثل الختان اللبنة الأولى في كراهية الفتاة لجسدها.

التعريف الذي اجتمعت عليه كل الهيئات والمؤسسات الطبية والدولية يحدد الختان كعملية تشويه، لذا فبداية إن كنت تعتقد بوجود ما يسمى فوائد الختان فهذا غير حقيقي، لا توجد أي مميزات أو فوائد طبية تم ذكرها في أي مرجع علمي ذي حيثية لهذه العملية المسيئة، والتي تعتبر نوعًا من التشويه والتعذيب الجسدي والنفسي للأنثى.

أنواع ختان الإناث

الختان أنواع، وكل نوع يختلف عن الآخر في الآثر الجسماني والنفسي الذي يتسبب به عند ممارسته، وتمارس الأنواع وفق العادات والتقاليد لكل دولة، وقد عرف مركز CDC للأمراض الأنواع المختلفة، ولكن كذلك فإن لكل نوع من هذه الأنواع أثر نفسي واضح عند ممارستها.

استئصال البظر: المتعة جريمة تستحق العقاب

يتم استئصال جزئي أو كلي لمنطقة البظر في العضو الأنثوي، وهي المنطقة المعنية بالإحساس في المرأة، ويسبب هذا النوع أذى جسماني ونفسي في وقت حدوثه، من اكتشاف الفتاة أن جسدها مصدر للألم، وأن مناطق جسدها الخاصة هي موضع العار الذي يجب ملاحقته بالبتر، كما يؤثر مستقبلاً على مدى استمتاع المرأة بالعلاقة الحميمة. وهو المقصود من عملية الختان في الأساس، التقليل من رغبة واستمتاع المرأة لعدم انحرافها، ولتكون طيعة لزوجها في المستقبل، وهكذا فالفتاة لم تشعر بالعار من جزء من جسدها فقط، بل شعرت أن فكرة استمتاعها تستحق العقاب، وأنها يجب ذهنيًا قبل جسديًا ألا تستمتع بالعملية الجنسية حتى في كنف العادات والتقاليد والدين وفي علاقة مقبولة اجتماعيًا كالزواج.

استئصال البظر والشفرتين: يجب أن تتجملي لتنالي القبول

لا يتم الاكتفاء في النوع الثاني من ختان الإناث باستئصال جزئي أو كلي للبظر، بل يتم كذلك استئصال الشفرتين الصغيرتين وأحيانًا الكبيرتين، هنا يضاف للألم النفسي السابق ألم جديد، فهي الرسالة الأولى للفتاة بأن شكل جسدك ليس ملكًا لك، حيث يجب أن تعاني وتخاطري لتحصلي على شكل أعضاء مجملة ومقبولة وفق مفهوم المجتمع والرجال، فالختان بالنسبة للكثيرين له فوائد تجميلية، حيث تعتقد الفئة المشجعة على الختان بأن شكل المرأة المختنة أكثر جمالاً، وقبولاً لدى الرجال.

وهو ما يرسل للفتاة الصغيرة والمراهقة أول إشارات عدم الرضاء عن الشكل، والرغبة في تجميله وتغييره إرضاءً لطرف آخر، أو وفقًا للشكل العام المقبول مجتمعيًا، حتى إن تسبب ذلك بالضرر لها، ورغم تأصيل المجتمع لهذه الفكرة عبر عملية الختان فإنه يعود بعد ذلك لينتقد هوس البعض بعمليات التجميل أو الحمية الضارة، والتي تتبع بها الفتيات نفس مبدأ إيقاع الضرر بالذات لملائمة فكرة المجتمع عن الجمال.

الختان الفرعوني.. أن تعذب الأنثى باسم الشرف

يسمى بالختان الفرعوني أو التخيطي، حيث تتم خياطة العضو الأنثوي للمرأة، وإذا كان النوعان الأول والثاني اعتبرا تشويهًا للجسد وإضرارًا بوظيفة العضو، وبنفسية الفتاة وأرسلا لها إشارات مهينة وسيئة نفسيًا عن ذاتها، فالنوع الثالث هو تعذيب حقيقي، حيث يتم استئصال البظر والشفرتين الصغيرتين والكبيرتين، ثم القيام بعملية إعادة إخاطة للشفرتين، لتضييق فتحة المهبل والفتحة البولية، وذلك وفق العرف الشعبي لمنع الفتاة من القدرة على ممارسة الجنس، وكشفها إن حاولت ذلك، مما يؤدي إلى صعوبة نزول دماء الحيض وصعوبة التبول، وعند الزواج تعاني السيدة أثناء الجماع لإعادة فتح أعضائها التناسلية والبولية، وكذلك عند الولادة.

وهنا لا إشارات نفسية مرسلة، بل تعذيب سادي للفتاة، يخبرها أنها مدانة اجتماعيًا ويجب ملاحقتها بالعقاب قبل أن تستفحل، هذا تصريح واضح يقول للأنثى يجب أن تكرهي جسدك لتنجو من أيدي المجتمع، ويقدم ارتباط شرطي بين الألم والعلاقة الجنسية، مما يؤدي لكراهية الفتاة لفكرة العلاقة الحميمة التي لا تثير داخلها سوى الرعب والألم.

اقرأ أيضًا: الختان: خوف.. ألم.. كسرة نفس


أضرار ختان الإناث بين الجسدي والنفسي

تتنوع أضرار ختان الإناث بين الأضرار الجسدية والأضرار النفسية، وتتدرج هذه الأضرار وفق نوع الختان، في أغلب المناطق العربية يتم ختان الإناث عن طريق النوعين الأول والثاني، إلا في السودان والصومال، فإن النوع الثالث كذلك ينتشر بشدة هناك. وعامة فإن الختان ينتشر في أكثر من 30 دولة إفريقية وعربية وشرق أوسطية.

أضرار ختان الإناث الجسدية

لا يمكننا أن نتحدث عن الأثر النفسي للختان ومدى تأثيرة في علاقة الأنثى بجسدها دون أن نعرف أن هناك أثرًا جسديًا، فكما أسلفنا فالآثار الجسدية والمعاناة ترسل رسالة واضحة للفتاة منذ الصغر أن جسدك والعلاقة الحميمة وكل ما له علاقة بممارسة الجنس حتى إن كان مقبولاً اجتماعيًا هو عار وممنوع ومخل، ويجب فقط أن تكوني أداة للفعل لا مبادرة.

من أهم أضرار ختان الإناث المشكلات الجنسية

فهناك مفهوم مشوه عن الجنس في العالم العربي والدول الإفريقية، وهو أن الجنس دنس وعار، ووظيفته الوحيدة -خصوصًا للمرأة- هو حفظ النوع، حيث المرأة وعاء للإنجاب فقط، هذا التصور جعل الختان ضرورة في أذهان الرجال في هذه المناطق، حيث التساؤل المنطقي بالنسبة لهم “ما حاجة المرأة للذة الجنسية؟!”. هل يجب أن يستمتع الوعاء؟! لذا فالختان يجعلها أكثر طوعًا، فيستطيع الرجل -مهما بلغ ضعفه-السيطرة على المرأة في العلاقة.

اقرأ أيضًا: الختان والوصم الجنسي للمرأة

أضرار ختان الإناث النفسية

لو أردنا التحدث عن أضرار ختان الإناث النفسية، فقد نحتاج إلى مراجع كاملة لحصرها، ولكننا هنا سنذكر الأهم، وهي كلها مشاعر سلبية غير حقيقية تبثها عملية الختان في نفسية الفتاة منذ الصغر لتنشأ وقد كرهت جسدها:

1. الصدمة الأولى في كراهية الأنثى لجسدها

يعتبر الختان هو الحاجز الأول الذي يضعه المجتمع بين الفتاة وجسدها، فهي تتعلم مع عملية الختان أن جسدها عيبًا يجب تجاهله والانفصال عنه، ويقال لها بأعنف طريقة أن جسدك عار، وإن هذا الجسد سيجلب لكِ الألم والعذاب، فيجب أن تكرهيه.

2. تدني احترام الذات

يتم ختان الفتيات لعدة أسباب، كلها اعتقادات قادمة من عالم الرجال صدقتها بعض النساء، حيث خرافات:

  • المرأة غير المختنة سترهق زوجها في المستقبل لرغبتها في العلاقة الزوجية، فاحتياجها الطبيعي للعلاقة الجنسية حتى تحت مظلة الزواج مدان اجتماعيًا.
  • الفتاة غير المختنة ولم تتزوج يجب السيطرة عليها، لا حديث هنا عن الأخلاق والدين والتربية التي تردع أي فتاة عن ارتكاب أي خطأ، فقط تشويه الفتاة هو السبيل الوحيد للحفاظ على أخلاقها من وجهة نظر المؤمنين بالختان.
  • الفتاة غير المختنة مظهرها أقل جمالاً وأضعف نظافة، وهكذا تصل الإشارة الثالثة للفتاة: لا تكوني أنتِ، إن طبيعتك كما خلقك الله ليست جميلة تحتاج إلى تعديل، وعليك لتحظي بالقبول أن تشوهي جسدك وأن تكرهينه، أنك لن تُري كفتاة جميلة مرغوبة إلا على أسنة مشرط الجراح.

وهكذا تنشأ بعض الفتيات المختنات وهن يعانين من تدني احترام الذات، ففي هذه الحالة ترى الفتاة أن المجتمع قد قرر أنها تعاني من عيب ما اضطروا لإصلاحه، نقص ما جعلها جنس أدنى، ولم يمنحها خيارًا حيث يجب عليها الاستسلام لهذا الوصم، فكيف تحب ذاتها مع هذا التصور عن الذات في هذه السن الصغيرة؟

 3. الاكتئاب والقلق

تعاني أغلب الفتيات المختنات من الاكتئاب والقلق، سواء كان ذلك بسبب ما وصف من مشاعر سابقة، أو بعد ذلك لسوء العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها، وعدم استمتاعها بها، واعتبارها عبئًا ثقيلاً ينغص عليها الحياة.

4. كرب ما بعد الصدمة

أغلب الفتيات يجرى لهن عملية الختان في سن صغيرة من 6 لـ15 عامًا، وأغلبهن بين السابعة والعاشرة من عمرهن، وهي سن صغيرة، حيث تفاجأ الفتاة بأن أهلها من أعطتهم الأمان لحمايتها ومن ظلوا لسنوات يحذرونها من أن يقترب أي شخص من مناطق جسدها الخاصة، يفاجئونها بعملية انتهاك لهذه المنطقة.

عقل الطفلة الصغيرة لا يترجم الختان في أغلب الحالات إلا كاعتداء جسدي وجنسي، حيث العنف والاعتداء على المنطقة التي ظلت مقدسة طوال سنوات، ثم الألم، كل هذا يصاحبه لا مبالاة من الأهل تضع الفتاة في حالة صدمة. أما إذا صاحب هذا مشكلة نزيف كذلك فيضاف إلى المشاعر السابقة شعور أن من وثقت بهم قد عرضوها للتعذيب. وهكذا فإن أغلب الفتيات يعانين من كرب ما بعد الصدمة، حيث الذكرى الأساسية لعملية الختان، هي ذكرى عنيفة واعتداء جسدي وجنسي أدت لصدمة فعلية، قد تصل بالفتاة ليس فقط لكراهية جسدها، ولكن لكراهية الجنس والعلاقة الزوجية من الأساس.

مشكلات العلاقة الحميمة وعلاقتها بصورة الجسد


 

هل يمكن إصلاح أضرار ختان الإناث

التساؤل الذي قد يشغل كثيرات ولا يجرؤن على التصريح به هو: هل يمكن علاج أضرار الختان ؟ وهل يمكن أن تعيش الأنثى المختنة حياة طبيعية يومًا ما؟ فعلاج أثر الختان جسديًا ينعكس على الجانب النفسي للأنثى كذلك:

1. العلاج الطبي للختان

في حالات الختان الفرعوني فالعلاج ممكن للأضرار الجسدية، حيث يمكن إعادة تجميل المنطقة وتوسيع فتحتي المهبل وإصلاح فتحة التبول، وهناك بعض الدراسات والجراحات التجريبية تتم حاليًا للتغلب على المشكلات النفسية لهذا النوع من الختان. أما علاج الختان من النوع الأول والثاني فمنذ عام 2012 بدأت في ألمانيا عملية لإعادة ترميم منطقة البظر لإعادة الإحساس لها، ولعكس أثر الختان، وقد نجحت هذه العملية بشكل كبير رغم تعقيدها في بعض الحالات، وانتشرت العملية حتى أصبحت جزءًا من جراحات التجميل المتوفرة في أغلب البلدان المنتشر بها الختان ومنها مصر، وتعيد العملية الشكل الطبيعي وكذلك الوظيفة الحسية لهذه المنطقة بدرجات متفاوتة، وفقًا لجور عملية الختان ومدى وحشيتها.

اقرأ أيضًا: 4 خطوات لإصلاح ما أفسده الختان

2. علاج الأثر النفسي للختان

تحتاج الفتيات في الأغلب إلى الاستعانة بالطب النفسي، للتغلب على أضرار الختان، ولتعيد ثقتها بذاتها، والتغلب على الآثار النفسية لذلك، تحتاج لعدة خطوات للنجاح منها

  • عملية إعادة حبها لجسدها والتصالح معه عن طريق جلسات العلاج النفسي أو جلسات التعرف على الجسد.
  • التغلب على مشاعر عدم الاحترام لذاتها، وعلاج القلق والاكتئاب المصاحب لآثار هذه العملية وهذه الجزئية يجب أن تخضع للطب النفسي كذلك.
  • التغلب على كرب ما بعد الصدمة، ورغم أهمية العلاج النفسي هنا ولكن يجب أيضًا أن تحرص الفتاة على التعرف والقراءة عمن حولها ممن خضعن لهذه العملية المؤلمة، فالشعور بأن هناك من يشاركها التجربة والألم أمر مفيد وهناك حاليًا بعض العيادات النفسية التي تقدم جلسات للعلاج الجماعي والفضفضة عن الألام النفسية والصدمة المصاحبة لعملية الختان.
  • تدريب العقل على فكرة أن اللذة تبدأ من هناك، وهي تمارين نفسية متطورة قدمت نجاحًا للكثيرات لعودة شعورهم باللذة الجنسية، وهو تدريب العقل على أن المتعة الجنسية تبدأ من أعلى لا أسفل، وأنه يمكن للسيدة أن تعيش حياة طبيعية تمامًا تستمع بها بحياتها وحقها بشكل طبيعي

في النهاية فإن العلاج النفسي ضرورة للتغلب على آثار الختان النفسية المختلفة ولإعادة التصالح بين الفتاة وجسدها مرة أخرى ولكي تستطيع حب جسدها وتغير الصورة الذهنية عنه من كونة مصدر للألم والعار والمهانة إلى مصدر للسعادة والمتعة والفخر.

اقرأ أيضًا: إزاي تتعافي من ألم الختان؟

المقالة السابقة5 نصائح تعيد ثقتك في جسمك بعد الحمل والولادة
المقالة القادمةتأثير التحرش الجنسي على علاقتنا بأجسامنا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا