بقلم/ مروة محمود
للدنيا فصول، أيام صيفية وليالٍ شتوية، وأخرى يزهر فيها الورود، وخريف الليالي هو الأكثر تأثيرًا في البرية. لم تبقَ الدنيا على فصل واحد منذ بداية الخليقة، نرى فيها التغيير والصيرورة الدائمة. إنك لن تشرب من نفس النهر مرتين، في كل مرة تذهب لنفس المكان تجده قد تغير بعض الشيء وليس كل الشيء، يحتفظ بسماته المميزة ويقبل بكل ترحاب التغيير، فالأماكن تتغير والليالي تتبدل وأيضًا البشر.
ليس من العجيب إذن أن تجد عدو الأمس صديق اليوم والعكس، وأن تجد أولو الأرحام أشد بعدًا وقسوة من أولئك الغرباء الرحماء، إنها سنة الحياة، التغيير الدائم. في رحلة البحث عن الثبات، علاقات بشرية لا تغيرها مسافات ولا حدود ولا جدران، أنفس أصيلة لا تعرف للخسة عنوان، أصدقاء عمر وطفولة وشباب وكهولة، أرحام موصولة، دعاء في ظهر الغيب مستمر، يقين لا ينضب أبدًا بأنك لست وحدك، إنك عندما تضل السبل تجد ظلاً لك يحميك.. يرشدك، وعندما تتعثر خطاك وتسقط تجد من يأخذ بيديك ويصلب ويشد من أزرك.
نحن البشر دائمو البحث عن السكينة والثبات والسلام، نخشى التغيير ولو إلى الأسوء، وعندما نصاب بجنون القسوة ونهوي في بئر الجفاء ونجد ينابيع الحنان قد جفت والوصال قد قطع حباله، نجدنا أناس لا نعرف عن طبيعتنا البشرية وفطرتنا شيء.
العلاقات البشرية مرتبطة ارتباط وثيق بالفصول الأربع التي نحيا فيها، من ازدهار إلى جمود إلى حنين إلى خريف، فأنت من تحدد في أي فصل تعيش علاقاتك، فكيف لنا أن تبقى علاقتنا دائمة الازدهار والرقي؟ كيف نرتقي بأنفسنا؟ كيف نخرج من دائرة المفروض؟ كيف نحنو على بعضنا ونجعل علاقاتنا دائمة الشباب؟
بداخل كل منا عقل وقلب، عقل ليعرف ويدرك، وقلب ليحس ويعرف ويرى ويحب، للقلب عيون أصدق من أي عيون حسية، ولشدة حدس القلب فإنه أيضًا كالترمومتر، لم يقف دائمًا على درجة ثابتة، وإنما يبدله الأفعال والأقوال، فبقاء من نحبهم داخل القلب يحكمه قواعد وقوانين المواقف، فتساقط أوراق البشر وخريف العلاقات لها مواعيد ليست بثابتة.
يتقلب القلب كيف يشاء لا تسطيع السيطرة عليه وإلزامه بقواعد ثابتة، كما العقل، أمر لمستحيل، فنترك له أحبال العلاقات بكل استسلام، يقودها بكل قوة، فيشتهي الوصال ويتمنى اللقاء، ولا تلومه في إعراضه عن ذاك وتلك، اترك قلبك يرى القلوب، يستشعر من يسكنه وتسكن إليه، لا ترى بحواسك الفقيرة، اترك له العنان، فللقلب عيون تدرك من يسقط أوراقه ومن حان خريفه.