في العزل المنزلي: 7 دروس تعلمتها عن نفسي وعن الحياة

1830

أحيانًا كثيرة، قبل أن أنام، أفكر أن فيروس كورونا لو كان إنسانًا من لحم ودم، لكنت قدمت له الشكر، كنت سأرتدي تلك القفازات الزرقاء التي تباع في الصيدليات بـ8 جنيهات وأحيانًا 10 جنيهات، رغم أن الحكومة حددت لها سعرًا ثابتًا لا يزيد عن جنيهان، ثم  أمد يدي له بالسلام، بينما أرسم على وجهي ابتسامة حقيقية.

هل أبدو خيالية؟ مجنونة بعض الشيء؟ حسنًا لن أنكر الأمر، فهذه هي مشاعري الحقيقية تجاه فيروس كان مصدره بلاد الشرق البعيدة، لم أرها سوى على شاشات التليفزيون، ولكنه علمني دروسًا واحدًا تلو الآخر،  وقدم لي اكتشافات عن نفسي وعن حياتي، ساعدتني كثيرًا، رغم بساطتها، ورغم أنها قد لا ترى في زحام الحياة، وأحيانًا للمفارقة أبكي وأنا أفكر فيها.

في البداية عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة، سأطلب من منك طلبًا صغيرًا: إليك لينك لموسيقى تصويرية لأربعة أفلام أجنبية، معزوفة على البيانو لعازف اسمه “جايكوب ليد جارد”،  تستطيع تشغيلها وأنت تقرأ بقية المقال، فهي ستساعد على الاسترخاء حقًا، وإبعاد مشاعر الخوف من فيروس كورونا عن ذهنك قليلاً، وبالتالي لا تعتبر كاتبة هذا المقال مجنونة.


أول درس تعملته

1. الحب مش بالكلام

قبل الكورونا، كانت الحياة عبارة عن لهاث وجري دائم في كل اتجاه، عمل، ومهام منزلية، ومهام أمومة بحاجة للتطوير، لم يكن هناك متسع من الوقت للتعبير عن المشاعر، هل أدركت ذلك في حينها؟ الحقيقة لا، لم أدركه على الإطلاق، بل كان هناك حالة من العمى، زالت غشاوتها في ذلك العزل عندما رأيت لحظات الدفء تعود رويدًا بيني وبين أبي ونحن نحضر االطعام في المطبخ معًا، عرفت أن كلمات الحب التي نقولها عبر أسلاك الهاتف، ونكتبها على حروف الكيبورد، قد تكون مهمة، ولكنها ليست الأساس، فبدون فعل يصبح الحب مجرد كلمات.

2. مفيش وقت لتأجيل الأحلام

بعد مرور فترة من العزل في البيت، بسبب هذا الكوورنا الذي يشبه التيجان الملكية، اكتشفت وجود نوتة بها قائمة كبيرة من الأحلام والأمنيات المؤجلة، وأنني كل عام كنت أضيف إليها حلمًا جديدًا، دون أي تنفيذ، مرة بسبب الظروف، ومرة بسبب عدم وجود وقت، حتى أصبحت أخاف النظر فيها، أو رؤيتها، لم تكن تلك الأمنيات عظيمة، بل بعضها بسيط، مثل لعب رياضة بشكل دوري، أو قراءة كتب معينة.

قد يبدو الأمر مؤلمًا، أن تكتشف فجأة أنك تؤجل كل شيء تحب عمله حتى يأتي الوقت المناسب، ثم لا يأتي هذا الوقت على الإطلاق، بل على العكس تكتشف أنها لو بالفعل كانت نهاية العالم كما زعم البعض، فأنت أجلت ما يجعلك تشعر بوجودك كإنسان، وأجلت تلك اللحظات الخالصة من السعادة، دون مبرر، لذا فإن من تلك الدروس التي علمني إياها كورونا مع شعور بالندم، أنه لا وقت لتأجيل الأحلام.

3.

ضرب جرس بابي :: فتحت لاقيت صحاب زمان

مش مهم كتر المعارف :: صاحب واحد أصلي أبرك

هو كوبليه استعرته من أغنية أحمد مكي “الحاسة السابعة”، يتحدث فيها عن أنه عندما مر بأزمة مالية وصحية، كان من وقف بجانبه هم أصدقاؤه القدامى.

لن اتحدث هنا عن أن فيروس كورونا جعلني أعود لأقاربي وأصدقائي القدامى، بل سأتحدث عن نقطة أعمق، هى أنني من خلال تواصلي مع أصدقائي وأقاربي بعد فترة غياب طويلة، أو اتصالات قصيرة لا تسمن ولا تغني من جوع، ساعدني الأمر على اكتشاف نفسي من جديد، ومعرفة ما أرغب في تحقيقه في حياتي. وأدركت أننا نكون مثل البوصلة التائهة، التي تدور في كل الاتجاهات، بلا هدف، بعد أن فقدت  الوجهة، ويكون العودة للأصدقاء والأقارب الذين يعرفوننا حقًا، ويعرفون طباعنا وميولنا سببًا في ضبط الاتجاه، أو اكتشاف طريق جديد لنا بعد أن سدت كل الطرق، كما يمكن أن نصفه بـ”إعادة ضبط المصنع”.

4. صوتك الداخلي لا يكذب

الحقيقة التي تعلمتها من خلال العزل أنني مهما حدث لا يجب أن أُكذِّب صوتي الداخلي، وأن أعتمد عليه مثل كشاف نور عندما يُظلم الطريق.

كانت هناك الاختلافات في وجهات النظر التي مررت بها خلال الفترة الماضية، والتي كانت ذات تأثير كبير على حياتي، وكنت أحاول تقديم الحل تلو الآخر، ولكنها في نظر من حولي بالونات معلقة في الهواء لا يمكن الوصول إليها أبدًا. أقف أمام نافذة غرفتي، في أيام العزل الطويلة، وأنا أتساءل هل كانت البالونات معلقة في السماء حقًا، أم أننا كنا نتركها تذهب مع الرياح، ثم نتحجج بعدم قدرتنا على اللحاق بها؟

يجيب صوتي الداخلي بأنه لم يكن يكذب، فعندما حدثت المواجهة كانت حلولي الأكثر منطقية وفهمًا لطبيعة الأحداث، وأن الرفض كان من باب الرفض، أو عدم العلم بطبيعة المشكلة. هل شككت في نفسي كثيرًا؟ هل شعرت بالذنب أيامًا لا تعد ولا تحصى؟ هل وصل الأمر إلى البكاء لأني لم أعد أعرف معنى للحياة؟ الحقيقة التي تعلمتها من خلال العزل أنني مهما حدث لا يجب أن أُكذِّب صوتي الداخلي، وأن أعتمد عليه مثل كشاف نور عندما يُظلم الطريق.

5. لا الحزن بيدوم ولا الفرح بيدوم

في ذورة أحداث كثيرة أمر بها، يعلق والدي بكلمتين “الدنيا منافتة”، وهى جملة تسُتخدم للاستغناء، بعدها بفترة قليلة تلقي حماتي نفس الجملة، عندما أخبرها عن أمور أشعر تجاهها بالحزن، أبدو منصتة ولكن بنصف عقل، ونصف قلب. تدور الحياة، فتجعلني أدرك المغزى لجملة “الدنيا منافتة”، ولكن هذه المرة بقلب وعقل كاملين، مع ساعات الوحدة الطويلة، التى لا أرى فيها بشرًا سوى ابني، فذاك الغضب الضخم الذي كان يسيطر على مشاعري تجاه أحداث لم يعد موجودًا، وحل مكانه الإشفاق على ضياع تلك الساعات في عدم الاستمتاع بالحياة، وذلك الحزن من أفعال البعض، تلاشى تدريجيًا، وحتى تضخيم حبنا لبعض الأشياء والفرح بها، بعد العزل اكتشفت أنها يمكن الاستغناء عنها والحياة بدونها. فأسلم بهدوء لحكمة والدي وحماتي، وأن سنة الحياة أن الحزن لا يدوم، ولا الفرح يدوم.

6. العائلة أساس التوازن في الحياة

إحدى بديهيات الحياة التي نتعلمها منذ نعومة أظفارنا، ولكننا ننساها، وأحيانًا نتنساها عندما ننضج، ونغادر عشش عائلاتنا بحثًا عن الرزق أو التعلم أو فهم أنفسنا، فنبحث عن التوازن النفسي بين الأصدقاء، نعتقد بالخطأ أننا سنشبع ذلك الحب الغريزي بداخلنا بالعمل المتواصل المجهد، نظرات التقدير ممن حولنا على أدائنا المجتهد في التعلم، وصنع الجديد. ولكن هذا كله يتلاشى كبخار عندما يتعرض لتيار هواء بارد.

مع العزل، وعدم فعل شيء يستحق الإعجاب أو التقدير، يبقى من يحبنا لأنفسنا، ويبقى من يقدرنا حقًا دون شروط، هي العائلة، التي نتذكرها فقط في أوقات فراغنا أو شدتنا، مع أنها أساس توازننا النفسي، وقدرتنا على مواجهة الحياة.

7. لا يجب الصمت على الأذى النفسي

مما علمني إياه كورونا وعزله، أن الأذى النفسي حلوله لا تتم بين يوم وليلة، ولمواجهة ردود فعله العكسية لا بد من ضبط جماح النفس بقوة، والتعامل معها بتقدير واحترام في نفس الوقت، وأول سلم في تلك الحلول هو عدم الصمت عليه، بل مواجهته أولاً بأول سواء بالقوة أو الدبلوماسية، ولكن الأهم هو التصدي له حتى لا يصنع ثقوبًا في الروح لا يمكن ردمها بعد ذلك أبدًا

نتعرض للأذى النفسي بأشكال مختلفة، خلال تفاصيل الحياة اليومية السريعة، كالمطرقة التي تضرب على قلوبنا، فنصمت ونبتلع الضربة مهما كان ألمها، إما قلقًا من المواجهة، وإما خوفًا من قطع العلاقة والمغادرة بلا رجعة، أو حفاظًا على لقمة العيش، وأحيانًا أخرى لعدم إعطاء أنفسنا قدرها الحقيقي والثقة فيها، وأحيانًا بدعوى الأدب وتقاليد المجتمع. نبلتع ثم نبتلع حتى تصيبنا التخمة، وحتى نصبح غير قادرين على الإحساس بقلوبنا أو بكائها الصامت.

وتأتي أيام العزل والصمت، لندرك حجم التدمير الذي أصاب قلوبنا، وأنها دُميت حتى لم تعد قابلة للاستخدام مجددًا. ندرك أنها صارت أشلاء وأن الأجزاء السليمة منها أصابها التجمد حتى تستطيع الحفاظ على نفسها، حتى وإن عادت للاستخدام فهي ستعمل برد فعل عكسي، وتؤذي صاحبها لأنه أهملها، وتتسبب في تردي حالها، وهي التي لم تفعل شيئًا سوى منحه لقب إنسان حي.

الصمت على الأذى النفسي كان من أقسى الأمور التي أدركت أنني فعلتها خلال فترة العزل بسبب كورونا، تحت شعار “خلي الحياة تمشي” كان يتبناه الكثير ممن حولي. الحقيقة أن الحياة “مشيت” بالفعل، لكن حياتي أنا توقفت كثيرًا. ومما علمني إياه كورونا وعزله، أن الأذى النفسي حلوله لا تتم بين يوم وليلة، ولمواجهة ردود فعله العكسية لا بد من ضبط جماح النفس بقوة، والتعامل معها بتقدير واحترام في نفس الوقت، وأول سلم في تلك الحلول هو عدم الصمت عليه، بل مواجهته أولاً بأول سواء بالقوة أو الدبلوماسية، ولكن الأهم هو التصدي له حتى لا يصنع ثقوبًا في الروح لا يمكن ردمها بعد ذلك أبدًا.

عزيزي القارئ/ القارئة، لم ينتهِ المقال بانتهاء سطوره، فأنت أيضًا إذا بحثت ستدرك دورسًا علمها إياك كورونا وعزله، دوِّنها في ورقة وابتسم، وانسخها داخل ثنايا روحك البسيطة، فهذا أحد دلائل النضج، فستعود الحياة مرة أخرى إلى رونقها، وهذه سنة الله في خلقه، ولكن وقتها سيكون معك مرشد صغير صنعته بنفسك، لتتجاوز أخطاء الماضي وتبدأ من جديد.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

الحظر هدنة نرى بها قيمة الحياة

المقالة السابقةقنوات وخطوات تساعدك على تقوية المناعة في رمضان
المقالة القادمةبطلات مسلسلات رمضان 2020: كلهن يفتقدن الحب
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا