روايات تحولت إلى أعمال فنية: الصراع بين الأدب والتمثيل

1880

كلما أعلن عن عمل فني درامي أو سينمائي مأخوذ من نص أدبي، يبدأ القلق على الفور لدى محبي العمل الأدبي، من أن يشوه العمل الفني عملهم المحبوب. مهما تطور الفن ومهما اختلف الجمهور يبقى هذا الرعب القائم على الخوف من تشويه الخيال، موجود وفعال. اليوم نستعرض روايات تحولت إلى أعمال فنية درامية أو سينمائية ونجحت للعديد من الأسباب، رغم التغيرات التي حدثت في النص الأصلي.

Jane Eyre وهذا الرجل أحبه

جين أير
غلاف رواية “جين آير”

إن كنت قد شاهدت الأفلام الأجنبية Jane Eyre، والنسخة العربية “هذا الرجل أحبه”، وقرأت الرواية الكلاسيكية الجميلة لشارلوت برونتي فأنت تعرف وجود فروق جوهرية بين الرواية والأعمال الفنية المأخوذة عنها.

فالرواية منذ عام 1943 وحتى عام 2011 يتم إنتاج أفلام ومسلسلات عنها، اجتمعت كلها على وجود بطلة حسناء للغاية، مثل Mia Wasikowska أو Ruth Wilson ، Joan Fontaine، وبطل شديد الوسامة مثل: Toby Stephens، Orson Welles، بينما جزء أساسي من القصة يعتمد على كون البطل دميمًا، والبطلة عادية خالية من الجمال. بل ذهب الفيلم العربي إلى تغيير جوهري في الأحداث لتتلاءم مع المجتمع العربي، فجعل البطلة أخت زوجة البطل، بل وتم تشويه فكرة القصة بهذا التعديل.

ففي الرواية الأصلية ليس لدى “مستر روشستر” أي حلول ليكون مع “جين”، إلا بالتلاعب بالدين والأخلاقيات ليتزوجها وهو متزوج –نظرًا لعدم وجود طلاق في ذلك العصر- وهو ما يوضح مدى حبه لـ”جين”، بينما الفيلم حوله إلى شخص مادي متدنٍ يجمع بين الأختين كزوجتين فقط ليحافظ على الثروة.

وعلى الرغم من جوهرية هذه التغيرات إلا أن من ينكر جمال وجودة الأفلام، وأن الجمهور عندما شاهدها بقواعدها أحبها، حيث قدمت الأعمال صورة متكاملة من الإخراج للتصوير والتمثيل لا يمكن تجاهلها وكراهيتها، فقط لأنها لم تلتزم بحرفية الرواية.

حديث الصباح والمساء

هل قرأت رواية “حديث الصباح والمساء” لنجيب محفوظ ورأيت المسلسل الشهير؟ الواقع إن كنت قد فعلت فأنت تعرف جيدًا عن ماذا أتحدث، فرواية مقدمة بتكنيك أدبي جديد على شكل قاموس أو فهرس بالحروف، وتحت كل حرف من الألف إلى الياء تجد الشخصيات التي تسرد قصة حياتها في عدة سطور معدودة.

في الوقت نفسه فإن المسلسل قدم حيوات كاملة وتوالي أجيال وحوار شديد الإمتاع، فلا يمكن تخيل كم المجهود المبذول من السيناريست محسن زايد لتحويل الرواية إلى هذا العمل فائق الإبداع، وهكذا فإن من الممكن أن يكون خيال السيناريست ثري للغاية، حيث يضيف للعمل لا يأخذ منه، وحيث يتحول العمل على يديه إلى قطعة فنية، حتى لو خالف الأصل الأدبي.

“هاري بوتر”: من يحب الأفلام؟

Harry Potter and the Order of the Phoenix
Harry Potter and the Order of the Phoenix

عندما تحولت سلسلة روايات هاري بوتر إلى سلسلة أفلام، كان دائمًا هناك غضب شديد على الأفلام، خصوصًا من الجزء الثالث، حيث تضخمت الأحداث ولم يعد بإمكان الفيلم مهما امتد طوله أن يجاريها، بالإضافة إلى تغيرات في بعض الأحداث، بل حذف بعض الشخصيات كليًّا، وإعطاء أدوار شخصيات في الرواية لشخصيات أخرى ظهرت في الفيلم.

المتعمق في هذا العالم ويدرك أعمق تفاصيله كان يشعر بالنفور من فكرة التغيرات، يريد للفيلم أن ينقل الأحداث كما هي. ولكن الحبكة الدرامية والصورة السينمائية تختلف عن الأدب، فكان يجب أن تحدث تغييرات. الغريب أن كثيرين ممن هاجموا الأفلام وقت صدورها وحداثة عهدها بالروايات، الآن يشاهدونها ويستمتعون بها بعد مرور سنوات، وتوقفوا عن مقارنة كل سطر في الرواية بمشهد في العمل.

بل على سبيل المثال كان الجزء الخامس  Harry Potter and the Order of the Phoenix من أكثر الأجزاء التي تم مهاجمتها كفيلم نظرًا لاختصار النهاية وحذف مشهد هام في الرواية أحبه القراء بشدة. بعد عدة مشاهدات لو تابعت صفحات المعجبين، ستجدهم أحبوا الفيلم نظرًا لتقديمه علاقة “سيريوس بلاك” و”هاري بوتر” بشكل إنساني وعاطفي ودود، بأكثر مما فعلت الروايات ذاتها، فقط الرغبة في الالتزام بحرفية الرواية كانت تمنعهم في البداية من رؤية جماليات الفيلم.

دعاء الكروان

هذا الفيلم في رأيي من أكثر الأفلام التي تبرهن على أن فكرة ضرورة الالتزام الحرفي بالنص الأدبي أمر قد يسيء للعمل الفني لا يقويه، فالرواية الشهيرة لعميد الأدب العربي طه حسين، اختلفت في أمور جوهرية حقيقة عن الفيلم الشهير، والذي يعتبر أيقونة من أيقونات السينما العربية.

وهناك كثيرون يرون أن الفيلم تفوق على الرواية، فبينما على سبيل المثال كان حوار “آمنة” شديد الفوقية بلغته العربية الرفيعة البعيدة عن روح الشخصية، جاءت “آمنة” الفيلم شديدة الإنسانية، بلكنة صعيدية جبلية واقعية، حولتها لشخصية حية من لحم ودم. أيضًا نهاية الفيلم الشهيرة والمتسقة تمامًا مع الأحداث ومع واقع الحياة، تخالف نهاية الرواية التي تنزع للمثالية وعدم الواقعية، لذا فربما لا يقدم العمل الفني العمل الأدبي بشكل مختلف، بل ربما في أحيان قليلة قد يتفوق على الأصل ذاته.

الضباب The Mist

the mist
The mist” poster

في عام 1980 كتب ستيفن كينج قصة “الضباب” ونشرت ضمن مجموعة مقتتفات أدبية، لتصدر مرة أخرى كقصة في مجموعته للروايات القصيرة Skeleton Crew عام 1985، ولكن في عام 2007 حولت الرواية الشهيرة إلى فيلم سينمائي رهيب من نوعية الرعب النفسي.

قد تشابهت الرواية الأدبية والفيلم السينمائي في نواحِ عدة، ولكن جاءت النهاية مختلفة بشكل كامل، فبينما الرواية تجعل الأبطال يهربون بحياتهم من الرعب الذي عاشوه وينطلقون للمجهول، جاءت نهاية الفيلم سوداوية مرعبة، حيث تعد وفق العديد من النقاد كأحد أكثر النهايات رعبًا ومأساوية، مما جعل ستيفن كينج نفسه يشيد بنهاية الفيلم التي نقلت القصة لمنطقة أخرى تمامًا، نتيجة لعدم التزام صناع الفيلم حرفيًا بالنص الأدبي.


ليست كل مخالفة للعمل الأدبي قضاء عليه

لو تتبعنا عشرات الأعمال المختلفة، سنجد أنه ليس دائمًا التغيير في النص الأدبي لصالح العمل الفني يفسد العمل، فقط هو يفسد خيالنا، فعندنا نتعلق بنص أدبي محدد نعيش تفاصيله ونرسم لشخصياته صورًا داخل عقولنا، ونتعلق بالأحداث واللزمات وغيرها من التفاصيل شديدة الدقة، والتي ربما لن تغير أو تؤثر على العمل لو تغيرت، ولكنها تؤثر على خيالنا وتوازننا النفسي تجاه العمل، لذا نرفض هذا التغيير.

قد تكون النظرة المنطقية هي أن ننحي رؤيتنا الشخصية، وسنجد أن اختلاف شكل البطلة قليلاً أو إدخال شخصيات ثانوية تخدم العمل أو حذف شخصيات ثانوية من العمل، لن يغير من الهيكل العام من القصة، فقط هو يعدها للتقديم على الشاشة بشكل مناسب.

فربما خروج العمل بشكل حرفي يجعله مهلهلاً لا يصلح كفن ولا هو بأدب. لذا فالأفضل دائمًا أن نفصل بين النصوص الأدبية والأعمال الفنية المأخوذة عنها، وأن ننظر لكل منهما بعين الجنس الفني التابع له، فالأدب يقيم بالحبكة واللغة ورسم الشخصيات والأسلوب، والفن يقيم بجودة السيناريو والإخراج والأداء وجمال الكادرات. قد يكون في هذا الفصل فضًا للاشتباك الدائم بين الفن والأدب وأيهما يكسب الرهان.

اقرأ أيضًا: 5 روايات اتحولت لأفلام مينفعش تفوتهم في الحالتين

المقالة السابقةلماذا نحب “التسعينات”؟
المقالة القادمةعندما غنى النقشبندي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا