لماذا نحب “التسعينات”؟

2493

من يعرف كيف يكون محبوبًا بين الناس، يسعى ويحاول نشر السعادة.

كان لدى الأطفال في الغرب ذلك التقليد في مطلع الثمانينيات، يسمونه الكبسولة الزمنية، حيث يضعون العديد من أشيائهم المفضلة في صندوق معدني يُدفن في حديقة المنزل، ويستخرجونه فيما بعد ليكون شاهدًا على العصر، يكتبون رسائل لأنفسهم في المستقبل، ويتركون أقرب ألعابهم إلى قلوبهم، هذه الظاهرة تسمى في مصر “تحت السرير”، اسمحي لي أن أسحبك من 2020 الجميلة والمشرقة، إلى “التسعينات” حيث فقاعة سعيدة ومتربة نحن في حاجة لها.

أعرف أن كلاً منا يحب جيله كما يحب أمه ومنطقته، لمجرد أنها ذكرياته، إلا أن شيئًا حول “التسعينات” يجعلها تحتفظ ببريق خاص، ساحب لمواليد ما بعدها أيضًا، لا زالت قادرة على تخطي الوقت والإنترنت وسرعة الحياة، والعودة على المسرح بالموضة مرة والموسيقى مرة والدراما والقصص التي تتحول إلى مسلسلات حاليًا، شيء ما حول “التسعينات” يجعلك تبتسم.

زكية زكريا
عروسة زكية زكريا

أجلس أنا هنا وسط رجل الآيس كريم وعروسة زكية زكريا ولعبة صيد السمك، كبسولتي المركونة تحت سريري، وتراكمت عليها الأتربة لسنوات وسنوات، وأنا مضطرة لتصفية كل هذا، واختيار ما هو قمامة وما هو قطعة أثرية، يجب أن تنتقل معي حيث أذهب، فتضربني أول إجابة، لماذا نحب “التسعينات”؟

شرائط الأتاري
شرائط الأتاري

قناة شباب المستقبل

قد ترى هذا قاسمًا مشتركًا بينها وبين الثمانينيات والسبعينيات، إلا أن “التسعينات” هي آخر فترة كان فيها كل الأطفال يلعبون بنفس الأشياء، يأكلون نفس الأشياء، ويحلمون بنفس الهدايا، كلنا في أحد الأوقات امتلك جيم بوي، وكلنا في يوم ما وضعنا الشريط في الأتاري ولعبنا سوبر ماريو، المرفه والتعيس مر على لعبة “إزاي تخنق جارك”، وتداول أكواد الغش والصواريخ في لعبة صيد الفراخ، كلنا نعرف من هي رشا رزق ودمعت عيناه بينما “غفت بائعة الكبريت”.

من بعدها لم تعد كلمة “جيل” لها معنى “عشر سنوات فارقة” التي تتغير فيها ملامح أسلوب الحياة، صار الرقم يقل ويقل، حتى صار لكل عام محدداته وملامحه وأجهزته، وأفلامه ومسلسلاته، ليس هذا سيئًا، بل إنه أسرع من أن يصنع فقاعة لها شخصية ورائحة معينة، يمكنك أن تميزها عن بُعد وتشعر أنها بيتك.

أنت تتذكر بوضوح لا مثيل له، كيف كنت تجمع أرقام أصدقائك في نوته ممغنطة عليها رسوم الأنمي، وأنت في المدرسة الابتدائية، ثم صارت إيميلات كلها أسماء دلع وحروف متكررة وأنت في الثانوية، ثم صارت “اسمك إيه على فيسبوك؟”، مع الجامعة، لن تنسي يومًا الـe-BUDDY، بينما نسيت أصلاً الـSOUND CLOUD، تعرف اسم أول محمول اشتريته، اسمه ماركة يعرفها جيلك كله، ومشوار السنترال لتحميل النغمات، أشياء استمرينا عليها لسنوات طويلة، تغيرت فيها التكنولوجيا ببطء أمام أعيننا، كان الهاتف والآخر يفصلهما أعوام.

الفواصل بين الطبقات الاجتماعية في الماضي والحاضر

أشعر بالامتنان على الرغم من قلة أشكال المتع المتاحة وقتها، لأنه كان من السهل أن تُشعر طفلاً تسعيناتي أنه يمتلك العالم، بينما الآن من السهل أن يصل الطفل إلى شعور الحرمان لأنه لا يملك تابلت، أو أن “اللانش بوكس” من النوع الاقتصادي. المسافات بين الطبقات أصبحت أكثر وضوحًا مع زيادة الاختيارات، وصار من السهل أن يشعر الطفل بالنقص، بينما في وقتنا كانت مدارس المنطقة كلها تشاهد سبيستون وتأكل اللويتا في سلام، اللغات جنبًا إلى جنب مع الحكومي، الكل ارتدى المسطرة التي تلف حول اليد، واشترى بوستر مهند وهو يعض على أصابعه.

لم أكن محظوظة كفاية لألحق بأبلة فضيلة أو بقلظ وماما سامية، ولكني محظوطة كفاية لأشاهد بكار وأرقص مع ظاظا وجرجير، ومدينة بكل ما أعرفه عن اللغة العربية لقناة شباب المستقبل.

ظاظا وجرجير
من مسلسل “ظاظا وجرجير”

أشعر بالبركة التسعيناتي عندما أقلب في تليفزيوننا المصري، فلا أجد محتوى واحد صنع للأطفال. أسأل صديقاتي، فأسمع من كل واحدة تفضيلات مختلفة من دولة مختلفة، يتابعها ابنها ويتوحد معها، اللهم لولا “بيبي شارك”، لن تجد طفلين يغنيان معًا نفس الأغنية، ولا حتى أغاني عيد الأم.

ليس أن هذا التنوع بغيض، بل أن له الفضل في ذكاء هذه الأجيال وكم معلوماتها، كذلك له الفضل في قلة حركتهم وعزلتهم، حيث صارت الاهتمامات من 4 إلى 12 إلى 200 ألف، وصار لكل طفل فقاعة من ذوقه الخاص، لا يجد من يتشاركها معه، ولا يحتاج إلى مغادرتها أبدًا.

من 07775000 إلى 5G

نحن نحب “التسعينات”، حيث إصدارات مكتبة الأسرة، والعدد الجديد من مجلة ميكي، حيث كان قميص خالي يشبه قميص النجم أحمد عبد العزيز في “من الذي لا يحب فاطمة”، وحيث كانت آخر نكتة تصلنا جميعًا بالحفظ والترديد، بين الحصة الأولى والفسحة، المقلمة الحديد التي كانت تغلفها الخريطة، وبداخلها المثلث والمنقلة، ونسخ قناة دريم للتريقة على أحدث أغاني هذا الوقت.

07775000

نحن الجيل الذي حضر الفيديو جنبًا إلى جنب مع نتفليكس، دخل على الإنترنت من 07775000، واستعمل الـ5G، وبشكل أو بآخر، عذابات التكنولوجيا القديمة جعلتنا نقدر سهولة الحياة الآن، بينما الكثير من الأشياء البسيطة لا تقدر على إسعاد جيل Z، لأن المبهر هو العادي، والحياة أسرع من أن نشاهد نفس الحلقة من كابتن ماجد 4 مرات.

اقرأ أيضًا: نوستالجيا مصيف زمان

المقالة السابقةالتغيرات المزاجية: 6 خطوات للتغلب عليها بدون دواء
المقالة القادمةروايات تحولت إلى أعمال فنية: الصراع بين الأدب والتمثيل
ندى محسن
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا