الاغتصاب الزوجي وحق المرأة في الجنس

2238

“مؤنس” هو زوج “هنا” الشرعي، ولكن هنا لا زالت متعلقة بزوجها الأول “حازم”. “هنا” لم تمكن “مؤنس” من نفسها وهو لا يطيق الانتظار، يعرف فجأة أن امتناعها عنه لا يتعلق بموقفهما القانوني، ولكنه يعود لأسباب نفسية خاصة بها، يستشيط غضبًا ويقرر “مؤنس” أن يغتصب زوجته. منذ أن استعرض مسلسل “لعبة نيوتن” هذه المعضلة أثناء عرضه في شهر رمضان، والسوشيال ميديا تموج بالحديث عن الاغتصاب الزوجي وواجبات المرأة تجاه زوجها وواجباته تجاهها، الكل يتحدث عن فكرة الجنس بالتراضي بين الأزواج، قطاعات كبيرة من الناس ترى أن واجب الزوجة هو أن تمنح زوجها علاقة جنسية مشبعة أيًا كانت حالتها حتى لا تتعرض وتعرضه لمشكلات أسرية، وأن هذه هي مسؤوليتها في العلاقة، وقطاع آخر يرى أنه ليس واجبًا على الزوجة أن تتجاهل حالتها ومزاجها في سبيل إِشباع الزوج، وأن العلاقة الجنسية بين الزوجين مرهونة بالتراضي.

يتحدث الجميع عن المرأة بصفتها مانحة للجنس، تنشب المعارك، المرأة يجب أن تكون راضية عن منح نفسها لزوجها، لا المرأة يجب أن ترضى تمامًا فهو حق الزوج، المرأة من حقها أن ترفض، لا، المرأة ليس من حقها أن ترفض بما أنها إجمالاً موافقة على منح الجنس لزوجها، العلاقة الجنسية لا تتم بالإجبار حتى لو داخل إطار الزواج، لا، هو ليس إجبارًا من الأصل بل هو حق الزوج.. تتعالى الأصوات ويتجاهل الجميع حقيقة بسيطة جدًا: المرأة ليست مانحًا للجنس، المرأة شريك في العلاقة الجنسية، المرأة لديها رغبات وهرمونات ومشاعر، المرأة ليست متبرعة، المرأة طرف أصيل في العلاقة.

اقرأ أيضًا: لعبة نيوتن وخدعة الحب

حق المرأة في الجنس

العلاقة الحميمة إحدى أسس العلاقة الزوجية وأعمدتها، فالحياة المشتركة بكل مسؤولياتها وواجباتها وصراعاتها تحتوي متنفسًا واحدًا يشعر فيه الشريكان بالحب والتقبل ويسمح لهما فيه بالتنفيس عن توتر كل ما سبق، هذا المتنفس هو الفراش، فالعلاقة الحميمة الناجحة تساهم بنسبة كبيرة في جعل الزواج ناجحًا، والعلاقة الحميمة الناجحة والجنس المشبع ليس له سوى طريق واحد، هو رضا الشريكين، لذلك فالحديث عن الاغتصاب الزوجي ليس رفاهية.

في مقال منشور في 2016 على موقع معهد صحة العائلة التابع لجامعة نورث وسترن عن دراسة توضح الفرق في الرغبة الجنسية بين الأزواج والزوجات في العلاقات طويلة الأمد، اتضح أن الأزواج يميلون للتقليل من شأن الرغبة الجنسية لدى الزوجات، وأن الرجال المتزوجين رغم أنهم يميلون في بداية العلاقة لتضخيم رغبة زوجاتهم فيهم وفي علاقة جنسية مشبعة معهم، إلا أنهم بعد مرور السنوات لا يعودوا قادرين على تمييز مدى رغبة زوجاتهم في الأمر، ولذلك فالحل الوحيد لكي يتعرف الزوج على رغبات زوجته هو –ببساطة– سؤالها.

فالزوجة طرف في العلاقة الجنسية، رغباتها لا يجب فقط أن تحترم، بل أيضًا أن يتم إشباعها، لأن الزواج في أصله علاقة رضائية بين طرفين متساوين، لا يملك أحدهما الآخر، فالمرأة اليوم تختلف عن المرأة في العصر الفكتوري مثلاً، والتي كانت تتزوج أو تموت، نظرًا لأنها لم تؤهل للحياة وحدها، الآن المرأة بإمكانها أن تختار من ضمن أشكال الحياة المتعددة، أحد أشكال تلك الحياة هو الزواج، العلاقة الزوجية اختيارها، وبالتالي فهي تملك حقوقًا في هذه العلاقة، أحد هذه الحقوق هو الحق في الحصول على الجنس.

الفرق بين الرغبة الجنسية بين الرجل والمرأة

في دراسة معقدة أجراها باحثان في جامعة مساترت بهولندا، عن تأثير جودة الحياة الزوجية اليومية على الرغبة الجنسية وعلاقتها بالأداء الجنسي لدى الزوجين، وجد أن العوامل المؤثرة في الرغبة والعلاقة الجنسية كثيرة ومعقدة ومتنوعة، ولكن أكثر ما نريد أن نؤكده من نتائج هذه الدراسة أن العوامل المؤثرة على مدى رضا الزوج عن الحياة الزوجية هي نفس العوامل المؤثرة على الزوجة، وهذه العوامل تؤثر على الأداء الجنسي للطرفين، حتى إذا اختلفت في تأثيرها على حدة الرغبة، ورغم أن رغبة المرأة الجنسية تتحكم بها العاطفة أكثر من رغبة الرجل، فإن –حسب الدراسة– الأداء الجنسي للطرفين يكون متقاربًا.

ولذلك فالحديث عن حق الرجل في الجنس متجاهلاً العوامل المحيطة بهذا الجنس داخل العلاقة غير صحيح تمامًا، فالجنس الذي لا تتقارب فيه رغبات الشريكين وأدائهما لا يمكن أن يكون جنسًا مشبعًا، مجهود ضائع لا يمكن أن يحسن جودة الحياة، لا للزوجة ولا للزوج، لذلك فممارسة الجنس غير الرضائي لإشباع حاجات طرف واحد من أطراف العلاقة هو في الحقيقة جنس غير مشبع، لذلك فعلاوة على أن الاغتصاب الزوجي هو جريمة في حق المرأة، هو أيضًا غير مشبع للرجل.

الاغتصاب الزوجي ليس خيارًا مطروحًا في العلاقات الزوجية العادية، فالحياة لا تبدأ وتنتهي في الدقائق التي يمارس فيها الطرفان العلاقة الجنسية، ولكن كل تصرف يؤثر في الزواج، ولذلك فإن الرغبة في إقامة حياة زوجية كاملة لا تتضمن أن يُقبِل أحد الأطراف على إجبار الطرف الآخر على ممارسة الجنس، من ناحية لأن ذلك سيدمر العلاقة الزوجية، ومن ناحية أخرى فالجنس المشبع الذي يساهم في تحسين جودة الحياة لا يمكن أن يتحقق لأي طرف من الطرفين، إذا لم يرض الطرف الآخر عن الممارسة.

اقرأ أيضًا: مشكلات العلاقة الحميمة وعلاقتها بصورة الجسد

الاغتصاب الزوجي وأثره على الزواج

في دراسة منشورة على موقع مركز المعلومات الوطني الأمريكي للعنف ضد المرأة، فإن الاغتصاب الزوجي رغم أنه يعتبر في مرتبة متدنية في الخطورة عن الأنواع الأخرى للاغتصاب، ورغم أنه أقل أنواع الاغتصاب تعرضًا للشكوى أو المحاكمة فإن آثاره النفسية والاجتماعية لا يمكن اعتبارها هينة أو سهلة أو يمكن التعامل معها، فإن الاغتصاب الزوجي يمكن أن يسبب إصابات خطيرة في المناطق الحميمة، كسور وكدمات، أمراض تناسلية وتشوهات في المناطق الخاصة.

هذا إلى جانب الآثار النفسية قصيرة المدى، المتمثلة في اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، الخوف الشديد، الكآبة والأفكار الانتحارية، وأيضًا الآثار النفسية طويلة المدى، والتي تتضمن اضطرابات النوم، اضطرابات الطعام، الاكتئاب، صورة الذات السلبية والفشل الجنسي.

ورغم أن معظم الزيجات تكمل حتى بعد حدوث الاغتصاب الزوجي، فإنه وفقًا لبحث منشور في 2007 في الصحيفة الأمريكية لصحة الأسرة، فإن الزيجات التي تتعرض لهذا الأمر تتأثر تأثرًا عميقًا به، ويظهر هذا التأثير على هيئة مشكلات في التفاهم وفي الالتزام الزوجي، اضطرابات في التواصل والاختلال الجنسي الوظيفي.

كل هذه الآثار لا تقع فقط على ضحية الاغتصاب، وهي الزوجة، ولكنها تؤثر بشكل مباشر على الجاني أيضًا، والذي هو الزوج في هذه الحالة، فكما أن الزوجة التي تتعرض للاغتصاب تعاني من مشكلات مترتبة على هذا الفعل، ولا تستقيم حياتها بشكل طبيعي بعدها لوقت طويل، فإن الزوج أيضًا بالتبعية يعاني من الكثير من المشكلات الناتجة عن فعلته، لأن الطرفين يتشاركان نفس الحياة ونفس البيئة المحيطة، وبالتالي فإن من المستحيل أن يتأثر أحدهما دون الآخر، أو أن يظن أحد الطرفين أن النتائج السلبية ليس لها علاقة بحياته.

الزواج شراكة، الحديث عن الاغتصاب وعن حق طرف دون الآخر وعن الإجبار، وكأننا نخوض حربًا في كل يوم، هو حديث تافه ومفرغ تمامًا من معناه، الحياة صعبة بما يكفي والإنسان يبحث دومًا عن كتف يتكئ عليها. عار كبير على هذا الإنسان أن يكسر تلك الكتف، وعار أكبر أن يجد من يصفقون له ويباركون كسره، نتيجة هذا لن تكون سوى إنسان بكتف مكسورة وآخر يقف في العراء وحيدًا.

اقرأ أيضًا: حتى لا تكون معنِّفًا دون أن تدري

المقالة السابقة3 أسباب للوقوع بحب حلقة لم الشمل من فريندز
المقالة القادمة6 فوائد لاستغلال الرسم والتلوين في تنمية مهارات الأطفال
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا