مولان.. فتاة لفظتها النساء وأنكرها الرجال فأدهشت الجميع

391

 

 

ياسمين عادل

(1)

إنتي بنت، إذًا إنتي بتعاني

حياتنا كإناث عمومًا وعربيات خصوصًا لطالما كانت مليئة بالتحديات المُختلفة، مهما اختلفت الثقافات أو مستوى المعيشة، بين توقعات عالية يُلزمنا بها الآخرون، متطلبات لا تليق سوى ببطلات خارقات يُطالبنا بها مَن حولنا، مسؤوليات لا تنتهي تقريبًا، وميراث ثقيل من الشعور الدائم بالذنب والتقصير، يُضاف إلى ذلمك قَدر لا يُستهان به من قلة الثقة بالنفس.

 

الأمر الذي يجعل حلم “لو كنت راجل” يُراود الكثيرات، إذ تظننَّ أن في ذلك طوق نجاتهن الوحيد، حيث المزيد من البراح وسقف أعلى من الحرية، مع القُدرة على الضرب بالتوقعات المُنتظرة منهن عرض الحائط، واستخدام كارت “مش لاعب”، أو “أنا كده وأعلى ما في خيلكم اركبوه” بأي وقت.

 

“مولان”.. أيضًا عانت مما يُشبه ذلك، إذ فرض عليها مُجتمعها الكثير من الثوابت، التي كان عليها الامتثال لها كما يليق بأنثى لا يُتَوَقَّع منها سوى سيناريو واحد، أن تكون “هادية ومطيعة، زي الطيف وبوسط نحيف، وقورة ورقيقة، والأهم إن تبقى ساكتة أطول فترات ممكنة”، لا لأن تلك الصفات جيدة في ذاتها ولكن لأنها ستضمن لها عريسًا مُناسبًا.

 

ولأن “مولان” كانت تعرف في قرارة نفسها أنها لم تنتمِ يومًا لذاك القطيع، أعلنت عصيانها مُبكرًا، الأمر الذي صنَّفته نساء بلدتها فشلاً منها في أن تكون أنثى كما يقول الكتاب، مُتهمينها بكونها “مُصيبة” وضعت رأس عائلتها بالوَحل، ولن تقبل بنسبها أي عائلة. وَحده والدها الذي كان يرى في ابنته “زهرة مقفولة لما تفتَّح هتبقى أحلى زهرة في البستان كله”، رُبما لذلك كانت ترى نفسها أكثر تماهيًا مع عالم الرجال ذي النظرة الأعمق.

 

(2)

إنها الحرب..

ثم تندلع الحرب، ما يستلزم مُشاركة ذكر من كل بيت، ولأن “مولان” لم يكن لها إخوة ذكور يُقرر الأب الالتحاق بصفوف المُحاربين بنفسه، لكن يقين الابنة من أن والدها لم يعُد قادرًا على مشقة الجهاد يجعلها تُقرر الذهاب بدلاً منه، مُدعيةً أنها الابن الخفي لوالدها المُحارب القديم.

 

هنا تمنح الحياة “مولان” فُرصة للتلصص على عالم الرجال الذي اشتهته، أو على أقل تقدير كان الأقرب لميولها وتفضيلاتها الشخصية، ذلك العالم الذي رُبما بدا لها لوهلة واسع الاختيارت عن عالمها النسائي الضيق، عالم شَرَفه نابع من معارك حقيقة وانتصارات يُشيد بها الجميع، لا انتصارات نَتَجت عن تقديم فنجان شاي دون أخطاء.

 

ما لم تحسب “مولان” حسابه كان أن عالم الرجال هو أيضًا له معاييره ونظراته الفَوقية وتحكماته، فالقوي فيه يسخر من الضعيف، والضعيف فيه يسخر من السمين، والسمين يسخر من الغبي… لتصبح أمام مُتلازمة جديدة لكن مُشابهة من الانتقاص من قَدر الآخر، وإشعار الأقل بكونه مُخيبًا للآمال. ومرة أخرى تُعيد “مولان” الكرَّة -لكن كذَكر هذه المرة- إذ تَخفِق في إثبات جدارتها، فتُتَّهم بأنها لا تصلح لأي شيء وأنها “كارثة مَحَقَّقَة” لن تلبث أن تتسبب بموت كتيبةٍ من بابها وجلب العار لوطنٍ بأكمله.

 

(3)

وما بين هنا أو هنا مش مرتاح أنا..

في العالمين وجدت “مولان” نفسها بلا تقدير، ومَحَل اتهام جاهز ومُعلَّب، رُبما الفارق الوحيد بين العالمين، كان أن في مجتمع الذكور مساحة مُتاحة لإثبات الذات، وقد كان. استغلت “مولان” تلك المساحة بكل ما أوتيت من قوة وذكاء، اجتهدت كما لو كانت في اجتهادها وإصرارها على الوصول تُثبت لكلا الجانبين أنها نفسها وأنها قادرة على أن ترفع رأس عائلتها عاليًا، ولكن بالطريقة التي تراها هي الأنسب لها، وتُرضي طموحها وأولوياتها.

 

انتصرت “مولان” لنفسها قبل أي شيء وأي شخص آخر، وبالرغم من أنها نجحت فعلاً بإثبات تعلُّمها من أخطائها، والأهم كونها حكيمةً وقائدةً ويُمكن الاعتماد عليها وقت الخطر والحاجة، فإن ذلك لم يشفع لها حين انكشف أمرها كأُنثى، وسرعان ما عادت لتسقط من نظر من كانوا يهتفون لها قبل قليل. ليلفظها عالم الرجال بعيدًا وبقسوة، ليس فقط لكذبها على الجميع، ولكن الأهم لشعور الذكور بالإهانة من وجود امرأة بين صفوف المُقاتلين، بل وتفوقها عليهم بعُقر مجال تميزهم، رُبما الوحيد.

 

(4)

متحاولش تبقى حد تاني غير نفسك..

من جديد تعود “مولان” لطبيعتها الأولى كفتاة، غير أنها هذه المرة صارت مُنتَقص منها من الجانبين النسائي والرجولي، كل عيبها أنها اعتنقت حلمًا لم يسبق أن راود غيرها، وأنها سعت إليه دون الخوف من القيل والقال، مُصرةً على إثبات جدارتها، مُتسلقة الطموح درجة بعد أخرى حتى ولو على أكتاف المُعارضين.

 

الفارق أنها هذه المرة كانت أكثر إيمانًا بُقدرتها على تحقيق ما تسعى إليه إذا ما أخلصت النية وبذلت قصارى جهدها، لم يعد يهمها كيف تكون هيئتها، لم تعد تخشى ردود أفعال الآخرين، أو تَدَّعي شيئًا ليس فيها للفوز بقبولهم المشروط، فهي لن تكذب ولن تتجمَّل، وأي مشكلة بعدم القبول هي مشكلة الآخر لا هي. وبين أنوثة حقيقية وأحلام بالحب والرومانسية ولَّدتها التجربة لا العادات والتقاليد، وقدرة على خوض المعارك وإنقاذ الجميع كما يليق بـبطلة وجدت “مولان” ذاتها الحقيقية التي قررت الحياة على أساسها.. فهاللولويا.

 

 

 

المقالة السابقةالعلاقات المهلكة
المقالة القادمةوقفة الكُشك السحرية
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا