السينما المصرية وما أغلقته من أبواب التعافي

428

 

منذ الثمانينيات وبدايات انفتاح مصر على العالم الخارجي، وعودة المغتربين بالمروحة والكاسيت والفيديو، عادوا معهم أيضًا بالمشكلات العالمية واستوردوها إلى داخل مصر.

رصدت السينما المصرية العديد من القضايا الخطرة والمؤثرة على مستقبل جيل الشباب، فكان من أهم القضايا التي تناولتها الأفلام العربية قضية الإدمان، سواء بشكل مستقل مثل فيلم “المدمن” لأحمد زكي، أو على هامش القصة مثل “النمر والأنثى” لعادل إمام.

فماذا قدمت السينما إزاء دورها في معالجة القضية؟

 

الأمل في التعافي

بملاحظة بعض الأفلام عن التعافي، فقد صورت مثلاً عادل إمام في فيلم “النمر والأنثى” للمخرج سمير سيف، حبس نفسه في غرفة وأوصى “الصول طلبة” أن يمنعه من الخروج، حتى يتعافى ويخرج المخدر من جسده. كان عادل إمام يؤدي دور ضابط الشرطة الذي يوقع بالعصابة، فلما انكشف أمره حقنه أفراد العصابة بالمخدرات، فيتحول مع الوقت إلى مدمن هيروين.

واقعيًا الأفعال التي أداها “الصول طلبة” من أهم ما يجعل حياة المدمن أسوأ ويفكر أكثر في التعاطي. وربما تودي بحياته في خلال أيام.

أما فيلم “شاويش نص الليل” للمخرج حسين عمارة، فقطع الأمل في التعافي، حيث انتهى بقتل الشاويش حسن لابنه بعد إصابته بالإيدز، المقترن حتمًا بالتعاطي، فحسب ما تصوِّره السينما المصرية التعاطي لا يكون إلا مجاورًا للعلاقات الجنسية، وطوال الفيلم يحاول الشاويش حسن علاج ابنه.. بالحبس أيضًا، حتى يرى أنه صار تهديدًا على العائلة فيصيبه برصاصة من مسدسه وينتهي الفيلم.

وهذا ينقلنا إلى صورة أخرى للمدمن في السينما المصرية.

 

الحياة اليومية للمدمن

صوّرت الأفلام العربية حياة المدمنين مليئة بالراقصات والسهر والترف والنكات، وأحيانًا أقرنت شخصية المدمن بالتفلسف وعمق التفكير كما في فيلم “المساطيل” مثلاً للمخرج حسين كمال، وربما الفلسفة اللطيفة كما فيلم “الكيف” و”العار” للسيناريست محمود أبو زيد، وصاغت جملاً ضاحكة رنانة قيلت في جلسات التعاطي، منها مثلاً “إن كان الحشيش حلال أهو إحنا بنشربه.. وإن كان الحشيش حرام أهو إحنا بنحرقه”.

بالتالي فالسينما صوَّرت حياة المدمن والتاجر والمهرب وكل من يحيط بالمخدرات، حياة شديدة الإغراء والترف، وصوّرت المشكلة بسطحية وسذاجة، فالأزمة -حسب السينما- غالبًا في الفلوس، في العلاقة بالعائلة، وكثيرًا ما كان لها مبرراتها كما في “الضائعة” لنادية الجندي، حيث عادت من السفر بعد سنوات غربة وعمل مضنِ لتجد زوجها طلقها غيابيًا وتزوج في شقة جديدة بأموالها التي كانت ترسلها له شهريًا.

لم تنسَ السينما أيضًا التركيز على البهجة والضحك الذي يعيشه المتعاطي بعد تلقي الجرعة، ولم توضح بالصورة الكافية أن هذه الحالة مبدئية فقط لا تستمر طويلاً.

فأصبح لدى الشباب صورة عن حياة المدمن تتلخص في الترف والنساء، بالإضافة إلى حالة نفسية مبهجة، وأما عن بعض المشكلات الساذجة من قلة المال والمطاردات البوليسية وما شابه، فأي فرد يتصور أن لديه القدرة على تلافيها. أو “يهندل الأمور” كما في لغة المتعاطين.

لذا نستطيع القول بأن الأفلام العربي لم تقدم إلا إثارة لفضول من لديهم الاستعداد للتعاطي.

 

الإدمان كمشروع بوليسي

صوَّرت العديد من الأفلام التعاطي والإتجار ما هو إلا جريمة وتتمكن الشرطة من الإيقاع بفاعليها، فقدمت أفلامًا عن بطولة رجل البوليس، وصوَّرته في هيئة المتفاني المغامر الـ”سوبر هيرو”، الذي يقاوم الجريمة وينقذ المجتمع، كما أدى الدور محمود عبد العزيز في “مملكة الهلوسة” الضابط الذي جنَّد كل من قابله في الفيلم للإيقاع بالمعلم تاخر المخدرات. ونور الشريف في فيلم “الوحل” الذي تدفع العصابة زوجته إلى الإدمان لتصبح جاسوسة عليه، لكنه بعد عدة مغامرات ومحاولات فاشلة يوقع في النهاية بكل أفراد العصابة.

 

أفلام المقاولات

على ذكر الثمانينيات، تناولت عدة أفلام قضية الإدمان والإتجار في المخدرات، فقط لأنها وسيلة مناسبة لظهور الكثير من الراقصات ومشاهد العري والإيحاءات ومبادئ الإباحية، فكانت النتجية أن لا شيء أفاد المجتمع ولا حتى بمجرد العرض.

 

خلاصة الأمر أن سينما الثمانينيات والتسعينيات لم تعالج أي مشكلة مجتمعية. وإن التزمنا برأي المخرجين والمؤلفين من أن وظيفة السينما المعالجة وليس العلاج ويكفي العرض فقط، فحتى العرض أيضًا جاء سطحيًا وساذجًا، بل وأحيانًا يساعد على تعقيد الأمور. على عكس ما قدَّمته الميديا في السنوات الأخيرة كما صورت حياة المدمن الواقعية في فيلم “خارج الخدمة” لأحمد الفيشاوي، من حياة كئيبة مليئة بالهروب من مشكلة لأخرى، لا تفكير إلا في التعاطي وتدبير المال اللازم، وصوَّر الفيلم الحالة بعد التعاطي دون أي بهجة وضحك، فقط ارتخاء وفراغ. وكان أفضل ما قُدِّم بلا منازع مسلسل “تحت السيطرة” من صراعات نفسية وأزمات حقيقية يواجهها المدمنين كل يوم، ومشوار التعافي الذي لم يتناوله أي عمل فني بهذا التفصيل قبله أو بعده.

فنأمل أن تكون أعمال مثل “خارج الخدمة” و”بدل فاقد” و”زي انهارده”، وما فيها من تصوير واقعي لحياة المدمن ومشكلاته الحقيقية، بداية انفراجة للتخلص من التسطيح والمتاجرة بالقضايا الخطرة.

 

المقالة السابقةهل أنت مدمن للحزن؟
المقالة القادمةماذا لو فشل الريجيم؟!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا