علمني حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن… لم أعرف أبدًا أن الدمع هو الإنسان، أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان. نزار قباني
لماذا أراد نزار أن يحزن لفقدان امرأة بدلاً من أن يحب ويعشق في سعادة؟!
طوال أربعة أعوام كنت أتردد خلالها على الأطباء النفسيين وملازمة جلسات المساندة، محاولة أن أجد إجابة لسؤالي: لماذا أنا حزينة؟ أستمع خلالها أني بخير وأن حالتي مستقرة وأني أفضل من غيري، كما أني مستقرة ومُتَّزِنة للغاية.. أحتاج فقط لبعض الدعم والإرشاد النفسي. فطنت بعدها إلى ما يُدعَى بإدمان الحزن، ليس لديَّ كل الأعراض ولكني حتمًا لديَّ بعضها.
إن إدمان الحزن هو ذلك الذي يفضي إلى مخاصمة الواقع ومفارقته، فالبعض لا يرى السعادة، وتعمى قلوبهم لأنهم أحبوا هذا الطريق المظلم الموحِش، كحب الضحية للسجان، اعتادوا الحزن كما اعتادوا رؤية الجانب الفارغ من الكؤوس. وإدمان الحزن هو المقدمة الحقيقية لمرض الاكتئاب.. تنسى كل ما هو جميل، وتسمح لشيطانك أن يحتل كل ما ابتسمت له يومًا، ومن ثَم يبدأ عملية التشويه، تشويه كل ما هو رائع في الحقيقة، حتى جوارحك تفقد قدراتها الخاصة، فلا تستطيع أن تلمس قطة وتستشعر ذلك الحنان من ملمس فروها، أو أن تنتشي إذا ما مررت على رائحة ذكية مُربِكة تعبث بمشاعرك عبثًا صبيانيًا.
تنسى نوبات الجنون والضحك الهستيري على شيء تافه مع رفقاء ابتعدت عنهم، لأنهم كانوا مصدرًا لسعادتك. وبعدها تُنصِّب نفسك التاجر الرسمي للأحزان، ويعتاد جسمك على الألم، حتى خلاياك الداخلية تستأنس بالحزن، فلا تشعر بلذة الحياة. يا صديقي.. أنت الخاسر الوحيد إذا اعتدت هذا الحزن.
لأنك..
- ستكون خاسرًا إذا تعمدت أن تجعل من مشكلات العالم المجنون مشكلاتك الشخصية، كي تظل في هذي الحالة راثيًا نفسك، متلبسًا دور الضحية دائمًا، وتلقي باللوم على الآخرين.
- ستجد نفسك مستغرقًا في ماضيك، معاتبًا نفسك على كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي حزنك هو العقاب الأمثل لك. نعم ستعاقب نفسك بالحزن الأبدي.
- تخاف من الفرح مُعِدًّا نفسك لخيبة الأمل، فالحزن يواري لديك الرهبة والخوف من المجهول.
- ينتهي بك الأمر متوقفًا عن رعاية احتياجاتك الأساسية، من غذاء صحي ورياضة ونوم كافٍ، كنوع من إيذاء النفس.. ستحب أن تؤذي نفسك أو أن يؤذيك الآخرون.
ربما تجد بعض اللذة في تلك الحالة التي تكون فيها وحدك حاملاً أعباء العالم فوق ظهرك، نوع خاص من النشوى التي لا يراها غيرك، لأنها في كل الأحوال هي لعنة على من حولك. فعندما نصبح مدمنين على الحزن ويصبح هو منطقة الراحة لدينا معتذرين لمن حولنا عن أي مسؤولية تجاههم، نبدأ في تغطية روحنا الحقيقية التي نبتعد عنها شيئًا فشيئًا، ونصبح أشخاصًا آخرين غيرنا.
لذا إن أردت أن تتخلص من هذا الإدمان فالخطوات الأساسية هي:
- الامتنان لكل صغيرة وكبيرة في حياتك، بانفعالات حقيقية غير مبالغ فيها، بشكل طبيعي وتلقائي.
- يمكنك أيضًا مراجعة طبيب نفسي مختص، سيعلمك بعض المهارات التي تُمكِّنك من استعراض العواطف والتعامل معها، وتقليل مشاعر اللوم والإحساس بالذنب.
- حاول عدم التقليل من حجم الإنجازات التي تقوم بها، واجعل منها سببًا للاحتفال.
ويحضرني في النهاية قول مانديلا:
May your choices reflect your hopes; not your fears.
فهل يمكن أن تعكس اختياراتنا آمالنا وليس مخاوفنا؟ أقصد هنا أن دلالات الأشياء جزء من هذه الخطة المحكمة، فإن كان هناك شيء يُذكِّرنا بالوجع علينا تغيير دلالته. أتذكر مثلاً حين قرأت قصيدة إليا أبو ماضي للمرة الأولى أني بكيت عند مطلعها:
كم تشتكي وتقول إنك معدم والأرض حولك والسما والأنجم!
هذه القصيدة مدعاة للتفاؤل، ولكن لأني تعمدت رؤية الجانب المظلم، فحتى كل هذا ذكَّرني بكم أنا وحيدة في هذا العالم الكبير، لا أحد يشعر بمعاناتي وعليّ أن أخاطب الطبيعة. الآن أذكرها بأنها القصيدة الأولى التي أدركت بعدها كم أحب الشعر حبًا جمًا! وبالتالي تغيرت دلالتها لديَّ. لذلك كى تكون سويًا، عليك أن تحدد نصيب الحزن والفرح في حياتك، ذلك التجسيد الذي ظهر جليًا في الفيلم الكارتوني inside out.
وأنك ستتغلب على صعاب الحياة بكليهما معًا، الحزن والفرح، لا بأحدهما دون الآخر. وكلما داهمتك الأحزان تذكر.. هذا حزنك وهذه كتفي..أنا هنا من أجلك أخي الإنسان.