الكلمات تكبر فينا ومعنا حتى نُصدقها

1325

بقلم: آية إبراهيم

رسائل مجهولة تُهاجمني كل ليلة، ربما تلقيتها منذ وقت طويل ونسيت من أرسلها لي لكني لم أنسها كما لم أتمكن من تفسيرها، كنت أفضل الكتمان أو الكتابة على أوراقي الخاصة على أن أبوح لأحد.

بعض الكلمات تكبر فينا ومعنا حتى نُصدقها

“محدودة الفكر لا أجيد التصرف وأخاف من المسؤولية”.

بمرور الوقت نكتشف أن الكلمات التي تتكرر على مسامعنا يبقى أثرها فينا، مقصودة كانت أم غير مقصودة. ما لم أقله أبدًا هو أنني لا أنسى مُطلقًا أي كلمة قِيلت لي، حُلو الكلمات وسيؤها، عابرها والمقصود منها، وأن الأحكام التي ألقيت عليّ كثيرًا ما جلدت نفسي عليها دون التأكد من صحتها. ما لم أقله هو شعوري بالدهشة إذا وصفني أحدهم بالذكاء، أو فخري الزائد إذا أثنى عليّ أحد، وكأنني على فجأة مما يقول، وكأنني أجهل مواضع النجوم داخلي، وأجهل مناراتي.

أسئلة جعلتني أقترب من نفسي

هناك شيء ما أهرب منه دائمًا، وسبب عليّ أن أبحث عنه ولا أفعل، كيف ينضج المرء وهو لا يعرف نفسه جيدًا؟! ولماذا لا أصدق نفسي حتى الآن رغم طموحي وأحلامي التي أكاد أصل لها؟! من أقنعني بكل الأشياء التي ظلمتني وأظلمتني وعِشت بها لفترات طويلة؟! من كرر على مسامعي أنني أسيء التصرف وأخاف من المسؤولية دائمًا حتى صدقت ذلك؟! ثم من الذي وصفني بالحساسية المُفرطة وعاتبني على ميلي الدائم لعاطفتي دون عقلي، هذا وإن كان يقترب من الصحة فعلاً! في شخصي لا يؤذيني ولا يُشعرني بضعف على الإطلاق، غير أنني لا أتخلى عن عقلي أبدًا. ولماذا يقولون أن من يُحكِّم عاطفته شخص ضعيف؟ ويصدرون أحكامًا مُطلقة على أشخاص قد يتغيرون وتبقى تلك الأحكام تحاصرهم.

تهاجمني تلك الأسئلة بغتة، لا أبحث عن مصدرها، فقط أبحث عن إجابات، ربما مصدرها دائمًا كان الكلمات العشوائية العابرة التي تُقال على سبيل المزاح. أحبني الكثير وأثنى على شخصي، فلماذا لا زلت أذكر تلك الكلمات المؤذية وأتشبث بها رغم عدم صحتها، أو تحديدًا رغم قدرتي على معالجتها؟!

بعض الأشخاص قد تهدمنا دون أن ننتبه

لا أتذكر أن كثيرين حاولوا إيذائي، فقط شخصين كانا قريبين مني لفترة، وسُرعان ما تلاشى حضورهما العابر في حياتي، لكن كلماتهما لم تتلاشى بعد. تظهر بين الحين والآخر من أعماقي. ربما أن الحب الذي لاحقني من أهلي وأصدقائي جعلني أتجاهل ذكر تلك الكلمات لكن لسبب ما لم أنسها.

يحدث أن تغرق داخل نفسك

أحيانًا أشعر وكأن بداخلي شخص آخر لا يحبني، يحتفظ بكل خبراتي السيئة ويُلقيها بوجهي مرة واحدة، شخص أقوى مني، قليلاً ما انتصرت عليه، أضعت وقتًا طويلاً أتأقلم على عيوب لصقوها بي، غرقت داخل نفسي علّي أصلحها. أعرف مميزاتي كلها ولا أملك أبدًا التحدث عنها حتى مع نفسي، وأعرف عيوبي كلها ولا أبرح أن أُذكِّر نفسي بها كل يوم، بينما لا أعرف السبب.

بعد عدة سنوات أكتشف أن تلك الأحكام كانت مبنية على باطل. لست مُنزهة عن العيوب بالطبع، لكن عيوبي لم تكن بتلك البشاعة، التي وصفها أحدهم يومًا، حين هزَّ ثقتي بنفسي، وقال إنني لا أجيد التصرف في حياتي ولن أجيد أبدًا. لماذا صدقت؟ ربما بسبب نبرة الثقة التي كان يتحدث بها، وربما كان يقصد أنني لن أجيد من دونه، ليُرضي شيئًا بداخله، ولم يكن لديّ الوعي لفهم ذلك حينها، وربما لأنه كان قريبًا مني فضلت تصديقه على أن أبحث داخل نفسي عن الحقيقة.

بعدها أحببت أن أكون حُرة دائمًا، بعيدة كل البعد عن محط الأنظار، عن أحلامي وعن التجارب الجديدة وعن اكتشاف ذاتي. شعرت أن الجميع سينظر إلى حماقتي إن أظهرت تصرفًا في أي موقف. تقولبت في الأشياء التي فُرضت عليّ وفي الأشياء التي حبست نفسي فيها، وفي خوفي الدائم ومساحاتي المُريحة التي تخلو من مواجهة لفترات طويلة.

غُربة – عُزلة – صراع – خوف وأشياء أخرى

اقتربت من عامي الثالث والعشرين، ولم أجرؤ على الخروج من دائرتي الصغيرة، بل صرت أضيقها أكثر. أصبحت أشيائي المُفضلة عُزلة وكُتبًا، أدواتي المكتبية وأقلامي، القليل من الأصدقاء، بقايا ورود ذابلة أُهدت لي من قبل، وغرفتي بالطبع. فجوة زمنية تكبر بيني وبين الناس، وبين أحلامي وكل الأشياء التي وددت إنجازها. لا زلت أحتفظ بوجوه أشخاص تراودني رغبة ساذجة بالانتقام منهم بين الحين والآخر، لكن هل تؤجل الحياة لحين الانتقام؟ لا زلت أحتفظ في نفسي بكلمات مؤذية سمعتها، لكن سؤالي لنفسي: هل يستحق من قالها أن أذكره أصلاً؟

هكذا أصارع نفسي، أتأرجح بين مساوئي وحُلو شخصي، أضيع وقتي في خبرات سابقة ولا أجرب نفسي من جديد. حتى اكتشفت أن التجارب يمكنها أن تصنعنا من جديد. أنا لست ما كنت عليه أبدًا منذ عام، بل منذ ستة أشهر، أو حتى ثلاثة. هذا ما أدركته جيدًا بعد أول تجربة عمل لمدة قصيرة، اكتشفت مهارات جديدة بنفسي لم أكن أعرفها من قبل، وأن لديّ إرادة وتصميم قلّما انتبهت لوجودهما. اكتشفت أنني أجيد التصرف ولا أخاف من المسؤولية كما كنت أظن، أطوي خجلي عند اللزوم، لي حديث يُثير الانتباه، لقد نجحت في تخطي أحكام سابقة حكمتها على نفسي دون وعي أو أطلقها أحدهم عليّ، أنا لست تلك المنزوية في غرفتها الغارقة في الكتب والصمت وكثرة التفكير، لا أسيء التصرف ولست محدودة الفكر كما قال أحدهم من قبل.

كان عظيمًا جدًا أن أعرف نفسي من جديد، أن أشعر بنضجي وأعترف بمخاوفي، وأن تجبرني الحياة على التخطي وعلى خوض معارك جديدة بعقل أنضج وقلب أقوى. وكان عظيمًا أن أتعلم درسًا في انتقاء الناس في حياتي، تحديدًا في انتقاء ما أسمعه منهم وأمرره إلى عقلي. وكان من الرائع أن استعدت ثقتي بنفسي من جديد، بل وأن اعترفت بذلك.

اقرأ أيضًا: بيت مفتاحه معي وحدي

المقالة السابقةالدمج التعليمي: القوانين تفرض ولكن هل تنفذ؟
المقالة القادمةأفلام ديزني قد تشوه أفكار طفلتك
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا