بقلم: ياسمين غبارة
طلبت مني الطبيبة أن أمارس رياضة المشي وأنا أحاول ملاحظة 100 شيء جميل في كل مرة. “مئة!”، قلتها ضاحكة وأنا أفكر وأوضّح لها أن الشوارع متشابهة، فكيف سأجد فيها مئة شيء جميل؟ كما أني عندما أجوب الشوارع سيرًا على الأقدام، أركز فقط عما بداخلي من مشاعر وهموم تُثقلني، أمشي بخطوات آلية سريعة متتابعة، لعل ما يتزاحم في وجداني يتفكك أو يتساقط، فأعود إلى حياتي خفيفة وأكثر قدرة على الاستمرار. أشارت لي في استحسان وهي تقول: “ولكن يجب أيضًا أن تستعيدي القدرة على رؤية الجمال من حولك وتأمله”.
رحلة البحث عن الجمال
أطلقت العنان لقدمي وعيني وقمت بنزهتي المعتادة، ولكن في هذه المرة أبحث عن شيءٍ من الجمال، نظرت حولي في يأس، ثم تأملت ما هو فوق رأسي، فرأيت النجمة الوحيدة التي تسمح لها أضواء المدينة بأن تُشِع وتَظهر للناظرين، تذكرت كم أحب النجوم، وكم تأملتها في وقتٍ سابقٍ من حياةٍ لم أعد أذكر عنها شيئًا. عدت أنظر أمامي لأجد نفسي على وشك الاصطدام بشجرةٍ تفاديتها، وأحنيت رأسي قليلًا فوقعت عيني على تلك الزهرة النابتة في رفقٍ وعنادٍ من جانب الشجرة.. وحيدةً ليس لها رفاق، أتساءل:
هل تشعر تلك الزهرة بأن الدنيا كبيرة عليها؟!
هل تتأذى من أحجار الرصيف التي تحيط بها من كل جانب؟!
ولكنها بدت لي واثقةً منتعشةً مُصِرّةً على الوجود.
رغم شدتي في كثير من الأحيان على أولادي، ورغم قلة صبري على انبعاثات طفولتهم، فإن رؤية طفلٍ صغيرٍ ضعيفٍ مُتَحيّر في هذا العالم هو أكثر ما يجعلني أرتخي وألين، أحب أن أفكر في الأطفال على أنهم صمام الأمان في هذه الدنيا، يُحافظون على تلك الإنسانية بداخلنا، ولأنه ليس هناك أكثر من الأطفال في كل شارع، لذا وأنا أمارس رياضة المشي، فقد رأيت طفلًا قد لا يزيد عمره عن أربع سنوات يمشي ممسكًا بيد شاب يبدو عليه أنه الأب.
لم أستطع إلا أن ألاحظ الفرق بين خطوات الطفل ووالده، فالولد يمشي بحماسة وقفزات راقصة، بينما والده يمشي في ثِقَل، خطواته محمّلة بما يشبه اليأس أو الملل، ولكن ليس الإرهاق، ينظر الولد لأبيه كل بضع ثوانٍ في حالة انتظارٍ لشيءٍ ما لا أعلمه! بينما ينظر الأب للموبايل في غيابٍ جزئي لوعيه بما حوله وبذلك الصغير المتحمس الذي لم يفقد الأمل في والده بعد، تمنيت أن أسير إلى ذلك الرجل أرُجُّهُ رَجًا وأُلقي بهاتفه بعيدًا لعلّه يفيق، ثم نظرت للأرض أتساءل: ومن سيجعلنى أنا أفيق؟! قبل أن تبتعد خطواتى عنهما رنوت بنظري تجاههما مرة أخيرة، فابتسمت لرؤيتي الأب وقد وضع هاتفه في جيبه وأخذ يتحدث وينظر لابنه الذي أصبح فعليًا يطير.
هالني منظر القمر الذي اصطدم بعيني بين البنايات، وكأنه يطلُّ عليّ أنا فقط، تذكَرت صديقتي التي قالت لي يومًا إنها لا تحب أن تنظر إلى القمر وهو في مثل تلك الهيئة: قريب مكتمل وكبير، لونه أقرب للون الأصفر منه للأبيض، نظرت إليها في تعجب فقالت إنها تشعر به مُختنقًا وهو في هذه الحالة، ولكنها عندما تراه هناك في الأفق أبيض منيرًا مُنَزّهًا عن الدنيا وما فيها، تشعر بأنه حرٌ منطلق تشعر بتجسيد للجمال فعلاً.
نظرت للقمر مرةً أخرى وأنا أشعر بأني أكاد ألمسه بيدي، تأملت لونه البديع، لم أستطع أن أفهمَ مشاعر صديقتي، ولكني فهمت أن الجمال نسبيّ، عدت إلى منزلي بعد نزهةِ طويلة، اكتشفت أنني نسيت موبايلي في المنزل ولم أصطحبه معي في جولتي كالعادة، أمسكته وجلست أكتب رسالة إلى طبيبتي وقلت فيها:
“لم أستطع أن أحصي مئة شيء جميل في نزهتي، ولكنى استطعت أن أرى ما يكفيني حتى النزهة القادمة”.
I like what you guys are up also. Such intelligent work and reporting! Keep up the excellent works guys I’ve incorporated you guys to my blogroll. I think it’ll improve the value of my website 🙂