كبت علامات الأنوثة أمر مرعب خابرته عن قرب، كانت صديقتي المقربة تكره نفسها وتشعر بندم شديد لكونها أنثى، في طفولتنا كانت تتصرف كالصبيان لتشعر بالقوة والسيطرة، تنتقي ملابس الذكور دائمًا، تلجأ إلى الألوان الرمادية الحزينة، وحين بدأت رحلة بروز الثديين في مرحلة المراهقة شعرت بالخزي وتحاشت حتى مقابلتي، بقيت شهرًا كاملاً بمنزلها خشية أن يراها أحد. كانت تكره ارتداء حمالات الصدر لأنها تجعلها كالنساء! وكذلك تكره مظهر صدرها وتتمنى لو لم يكن هنا. تمقت صديقتي كل مظاهر الأنوثة وأي علامة تشير إلى أنوثتها بما في ذلك الدورة الشهرية. لطالما سألتني باستنكار “إشمعنى إحنا اتكتب علينا القرف ده! أنا نفسي تقف عندي للأبد”، أخبرتها أن ذلك سيجعلها عاقرًا فأجابتني دون اكتراث “طز”.
أسباب كبت الأنوثة
1. الأنوثة إهانة يومية
“متبقاش زي الستات”، “متعيطش زي البنات”… عادة ما يرتبط التشبيه بالنساء بالتقليل من الشأن، المرأة كائن ضعيف بائس مترهل في الغالب، بحاجة دائمًا إلى سند، غير قادرة على التماسك. لا يتوقف الأمر عند التشبيه المعنوي، ولكنه يصل إلى التشبيه المادي، فالرجل المترهل يشبه جسمه جسم المرأة برأي الكثيرين، والنساء أنفسهن منذ لحظة الولادة وحتى اللحظة الأخيرة من أعمارهن يتعرضن للانتقاد العنيف والدائم لمظاهر أجسادهن، مع كل مرحلة وفي كل عمر يبرز تعليق مختلف. تقول البروفيسور “جين لوك” الباحثة في المركز الأسترالي لأبحاث الجنس والصحة والمجتمع، “لا تروب”:
إن السيدات عمومًا يتم التعامل معهن من عائلاتهن بطريقة تجعلهن يشعرن بالخجل من أجسادهن طوال أعمارهن
بحسب الباحثة فإن المرأة في عمر الطفولة يتم تلقينها مشاعر الخجل من جسدها وأجزائه، باعتبارها أجزاء تدعو للخجل والاشمئزاز. المسألة ليست شأنًا عربيًا، ولكنها ظاهرة عالمية، فعلى الرغم مما تبدو عليه المجتمعات الغربية من انفتاح، فإن حالة الشعور بالوصم وخجل النساء من أجسامهن واحدة. مثلاً أوضحت دراسة بريطانية على ألف سيدة، أن 44% من النساء محل الدراسة يعجزن عن تحديد موضع الرحم في رسم توضحي طبي.
2. وصم الجسد: أنتِ عورة
لطالما تساءلت عن السر وراء هذا الغضب الشديد عند صديقتي لأنوثتها، حتى جاء اليوم الذي زرتها فيه، فنظرت لي والدتها باشمزاز قائلة “مالك فرحانة بنفسك كده ليه!”، كنت في ذلك اليوم أرتدي طاقمًا وردي اللون، وأضع بشعري فراشات ملونة، وأبدو كفتاة حقيقية، لكن بيد أن هذا لم يعجبها. لاحقًا تكشفت الصورة بالكامل، حين علمت أنها كانت تجبر ابنتها (صديقتي) على ارتداء حمالة صدر أصغر من المقاس المناسب لها، معتقدة أنها بذلك سوف تسبب عجزًا في نمو صدرها، ليصبحا ضامرين غير لافتين للنظر.
ما اعتادت أن تفعله والدة صديقتي تكرره آلاف الأسر بطرق مختلفة، عبر وصم جسد بناتها، فيصبح رد الفعل الوحيد هو كبت كل علامات الأنوثة باعتبارها سبة يجب التبرؤ منها. المأساة أن الوصم والسخرية من جسد الأنثى وأي مظهر لأنوثتها لا يتم بطريقة سرية، لكنه عادة ما يحدث على الملأ خلال التجمعات العائلية، ما يحول الوصم إلى فكرة عامة وراسخة لدى الجميع، يتحول معها الجمال إلى وصم ومظاهر الأنوثة إلى أمر يجب كبته، مع شعور ضروري لدى المرأة بالخزي من جسدها والشعور بالعار كونها أنثى.
بحسب البروفيسور جو هيربرت، حالة التمييز جاءت من الطبيعة نفسها، حيث يرجع كل شيء إلى هرمون التستوستيرون الذي يتعرض له الجنين الذكر في مرحلة مبكرة من الحمل، فيولد ليس فقط بخصيتين، ولكن بدماغ تحمل الكثير من المنافسة والعدوانية، التي تجعله مستعدًا لتحمل المخاطر الجسدية والاجتماعية لتحقيق غاياته، الهرمون ذاته يتسبب في نمو العضلات، وهكذا تكتمل لديه دائرة السمات الشكلية والنفسية التي تعزز القوة العضلية والهيمنة، من جانب الذكر على الإناث اللواتي لسن قويات بما يكفي، فضلاً عن انشغالهن بحماية الصغار ورعايتهن، من هنا بدأ تحكم الذكور في العالم البدائي، ومن هنا صارت سماتهم الجسدية هي المقياس، وما دونها مدعاة للخجل والشعور بالعار.
3. البريود أو “الزفتة” أمر محرم
آلام الدورة الشهرية تسبب وصمًا للمرأة، لهذا لا تحبذ معظم الفتيات أن يدعونها باسمها العربي، الدورة الشهرية أو الحيض، فهي مسميات ثقيلة برأيهن، يجب تخفيفها عبر مسمسات أخرى، تارة باسمها الأجنبي، فتعرفه حتى الفتيات اللائي لا يعرفن الإنجليزية، حيث صار اسمًا شائعًا لها، “البريود”، فيما تتفنن أخريات في تسميتها بأسماء تعبر عن مشاعرهن تجاهها، مثل “الزفتة”.
حالة الكراهية والسخط الشديدين على الدورة الشهرية ونكارنها كمظهر غير محببب، أثار مشكلة مجتمعية في القارة الأسترالية، حيث ظهر دم الدورة الشهرية في إعلان عبر إحدى القنوات، وهو الإعلان الذي تلقى أكثر من 600 شكوى، باعتباره خرقًا للأخلاقيات الإعلامية، لكن بمراجعة القواعد الأخلاقية والرقابية تبين أن الإعلان فقط بدا جارحًا لكثيرين ممن يعتبرون الدورة الشهرية عيبًا.
ماذا يحدث حين يغيب تقديرك لجسدك؟
“كوني جميلة ومثيرة ومؤدبة، لكن لا تتكلمي عن أفكارك أو تحاولي أن تفهمي!”، هذا بالضبط ما ما تحدث عنه عدد غير قليل من الباحثين في مجال علم النفس، ففي فصل من كتابه الحياة الجنسية يقول سجموند فرويد: “أعتقد أن الشعور الواضح بالدونية الفكرية لدى كثير من النساء يرجع إلى الكبت الفكري الذي يعود بدوره إلى القمع الجنسي”، وبناء على هذه المقولة ترى الباحثة جيلدا دي سيمون أنه في الوقت الذي يتم ربط حياة النساء بالجنس يتم التعامل معهن بحزم شديد خلال رحلة تربيتهن، لمنعهن من إقحام أنفسهن فكريًا في أي تساؤلات أو أفكار جنسية مهما بلغ الفضول، حيث يتم اعتبار أي حديث عن الجنس أو أي محاولة من الفتاة للتعرف على أعضائها أمر غير مرغوب فيه وعلامة على الخطيئة لدى الفتيات، إن لم يكن مقدمًا لها.
لا يمر غياب احترام الأنثى لجسدها مرور الكرام. هو مقدمة ونتيجة في الوقت ذاته، لكن ماذا يعني ذلك؟ المسألة باختصار أن الأنثى التي يغيب لديها تقدير جسدها والشعور بأهميته، تلك التي تشعر بالخزي والعار من كونها أنثى، تتراجع نسبة استجابتها للإثارة الجنسية، وعادة ما يرتبط ذلك باعتداءات جنسية تعرضت لها في طفولتها، وذلك بحسب بحث منشور عام 2017، هي زوجة غير سعيدة وامرأة تكره حياتها كسيدة في العموم وكزوجة بشكل خاص.
يذهب الأمر لأبعد من ذلك، فالعواقب الصحية لحالة الخزي من الجسد وخيمة، تؤثر على كل من الصحة البدنية والعقلية، بحسب تقرير رصد في أستراليا اتضح أن 55 فقط من السيدات الأستراليات اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و59 عامًا خضعن لفحص سرطان عنق الرحم ، وهي مهمة للكشف المبكر عن هذا النوع من السرطانات، حيث تشير النتائج النهائية أن معظم حالات سرطان عنق الرحم المتقدم هي في النساء اللائي لم يخضعن للفحص، سيدات لا يتم علاجهن من اللألم والنزيف غير الطبيعي لأنهم يخجلن من الكشف النسائي.
مزيد من الأمراض النسائية الخطيرة تصبح مهددة لحياة النساء مع التعامل مع الكشف النسائي باعتباره مسألة مخزية ومعيبة، كبطانة الرحم المهاجرة وغيرها من الأمراض النسائية التي يمثل علاجها طوق نجاة لكثير من النساء، فقط إن تصالحن مع أجسادهن ولم يعتبرن ذلك النوع من الشكاوى أمر مخجل.
كيف تتخلصين من كبت علامات الأنوثة
أ. 5 خطوات إن تعرضتِ لإساءة مباشرة
إن قدر لكِ النشأة وسط أسرة تعتبر جسد الأنثى سبة، فأنت بحاجة إلى إعادة نظر إلى نفسك من جديد، والبدء في دفع الضرر عنك، لذا إذا كنتِ تتعرضين للسخرية من مظهر جسدك فأنتِ حتمًا بحاجة إلى إستراتيجية لمنع الأذى، خصوصًا إن كان هذا يحدث في وسط التجمعات، المجلة العلمية سيكولوجي توداي تنصح بالخطوات التالية:
- تجاهلي الموضوع تمامًا وتظاهري بأنك لم تلحظي ما قيل.
- غيري الموضوع وافتحي موضوعًا مختلفًا تمامًا.
- ابدئي حديثك بخطاب فيه “أنا” لتأكيد أهميتك.
- لا تترددي في طلب المساعدة.
- ردي بلطف ولكن بحسم حول عدم أهمية الشكل مقارنة بالمضمون.
ب. 7 خطوات إن كنتِ تشعرين بالوصم في العموم
1. في المقام الأول تأكدي أنك لست من النوع الذي يوصم الأخريات” تحرري من الفكرة كاملة بالأساس، من هي السيدة ذات الجمال الاستثنائي في محيطك، وهل تقيمين النساء من حولك على أساس معايير شكلية مسبقة لديكِ، أم بسبب طباعهن والمواقف السابقة لكما معًا؟
2. حسني علاقتك بالطعام: للأسف كثير من النساء الموصومات بسبب مظاهر الأنوثة يتعرضن لعدة مشكلات بدنية متعلقة بشكل أجسادهن، كالاكتئاب ومرض البوليميا، واضطرابات في الوزن اوالنظام الغذائي بشكل عام، الطعام هو طعام لن يساهم في إخفاء مظاهر الأنوثة لديكِ بفقدان الوزن.
3. تقبلي جيناتك واختيار الطبيعة لكِ كأنثى: بين 25% إلى 70% من مظهرك تحدده الجينات بجسدك، وهي أمور لا تتحكمين بها، لكن يمكنك أن تتقبليها.
4. لا تهربي من مشاعرك: علمي أن في أحيان كثيرة نهرب من المشكلات الأساسية إلى مشكلات فرعية، فنتجاهل أزمات أساسية بحياتنا إلى جمل مثل “أنا سمينة”، ففي كل مرة تمارسين بها هذا الهروب تخونين جسدك وتتجاهلين مشاعرك الكامنة. تذكري أن الدهون ليست شعورًا أبدًا، إنها وسيلة لتجنب المشاعر. المهم حقًا أن تتعلمي كيفية اكتشاف مشاعرك، وأن تدركي أن التركيز على جسدك يؤدي فقط إلى تشتيت انتباهك عما يزعجك حقًا.
5. لا تستلمي للصورة النمطية السائدة: وسائل الإعلام على سبيل المثال تصدر صورًا نمطية عن الأنوثة والأنثى الكاملة الجميلة المميزة، وما سواها لسن جميلات، والواقع أن أكثر من 96% من الفتيات والسيدات العاديات لا يتطابقن مع تلك الصورة النمطية، ما يصيب الكثيرات بالإجباط وبحالة من عدم الرضا المستمر.
6. تخطي سوء التفاهم مع جسدك: في الواقع تلك نصيحة مهمة، لأن أكثر المصابات باضطرابات الطعام يمتلكن صورة ذهنية غير صحيحة عن أجسادهن فيظنن أنهن سمينات بينما الواقع بخلاف ذلك.
7. كوني صديقة لجسدك: تعرفي عليه جيدًا دون خجل، اقرئي واعلمي أكثر عن مواضع أنوثتك ومظاهرها وكيفية العناية بها. أنوثتك ليست سبة ولكنها اختيار الطبيعة لكِ، فأحسني العناية بنفسك طبيًا ونفسيًا ومعنويًا.
Thanks for sharing superb informations. Your web site is so cool. I’m impressed by the details that you have on this blog. It reveals how nicely you understand this subject. Bookmarked this website page, will come back for more articles. You, my pal, ROCK! I found just the information I already searched all over the place and simply could not come across. What a great website.