غسيل الدماغ بالحب.. عنف من نوع آخر

1375

بقلم: آية إبراهيم

كنت طفلة عادية خالص، معنديش اللي يميزني ولا يخليني شخص لامع، شاطرة في المدرسة ودي برضو حاجة عادية، لكن كنت دايمًا بحب أكون حُرة، كان عندي موهبة التأمل والتفكير الزايد، واللي زي ما بيكون مؤذي أحيانًا في حالة عدم القدرة على الوصول لحل، أحيانًا كتير بيكون مُرضي وبيوصلك بنفسك للقرار المناسب والمعتقد الصح، وفي كل مرحلة من مراحل حياتي كان تفكيري بينصفني، وكان عندي من الحرية اللي يديني القدرة أعبر عن أفكاري من غير خوف.

فراشة ملونة حُرة

اتربيت في بيت اداني مساحة شخصية تكفيني إني أكون راضية عن أفكاري وقراراتي وبتحمل عواقبها بنفسي، والأهم إني مبقبلش أبدًا أعمل حاجة مش مقتنعة بيها، لكن اللي عمري ما حاولت أعمله هو إني ألعب في دماغ حد وأغيرله أفكاره، بدافع السيطرة ولا الشعور بقوتي مثلاً، ولا حتى عشان بحبه وهيريحني إنه يكون معايا على نفس خط أفكاري. كل ده حلو؟ آه حلو، لكن اللي مش حلو خالص كان اصطدامي بأشخاص عندهم قدرة رهيبة على عمل غسيل دماغ للشخص اللي قدامهم، واللي بكل أسف كانوا على مقربة من حياتي وعقلي في وقت ما.

الوقوع في فخ للمرة الأولى

فيه أشخاص بتمر في حياتنا بتبقى عبارة عن فخ، وكل ما أدركت أسرع عرفت تنجو بنفسك أسرع، لكن مفيش حد هيحاول ينجو وهو مش عارف إنه في حفرة أصلاً. حفرة على هيئة شخص حنون بيحبك جدًا، بيقدملك كل أشكال الاهتمام والاحتواء اللي كلنا محتاجينه ومعظمنا بيضعف قدامه، بيحاوطك في حبه لحد ما تغرق فيه وتتطمنله، وفي المقابل مش مسموح تعتقد اعتقاد مخالف لأفكاره، لأنه حسب الادّعاء وحسب ما أغلبنا بيظن عن نفسه، هو اللي فاهم وهو اللي صح، وتصيبك حالة غريبة من التشتيت وتسميم الأفكار، لحد ما بتلاقي أغلب أفكارك بتتغير، لأنه مش سايبلك فرصة تعبر عن رأيك في حاجة أصلاً.

ولأنه آه بيحبك وبيهتم بيك لكنه شريك أناني مبيسمعش غير صوت نفسه، في المرة دي غالبًا الإدراك بيكون صعب واتخاذ القرار بالانفصال أصعب، لأنك أصلاً مش فاهم إيه اللي بيحصل، علاقات كتير بتنتهي وأصحابها مش بيدركوا الأذى اللي وقع عليهم من شريكهم غير بعد فترة طويلة من الانفصال، أذى متغلف بفيونكة حمرا ولحظات سعيدة وأغاني وفراشات بتطير، أحيانًا العلاقة بتنتهي ومبنفهمش إنها كانت مؤذية غير ما بعد نخرج منها ونرجع لنفسنا، ونعرفها من جديد.

تجارب متكررة

فيه تجارب بتعدي عليها سنين وبعدين تلف وتجيلك تاني في صور مختلفة، ساعتها بس هتعرف إذا كنت اتعلمت الدرس ولا لأ، وفي الوقت اللي أنا فيه مش ببذل أي مجهود لإقناع حد بأفكار تخصني، بسأل نفسي إيه السبب اللي يخلي راجل يشقلب حياة بنت ويغير أفكارها، ويحاول يفصل منها نسخة على مقاسه، عشان تتناسب مع حياته لمجرد إنها عاجباه؟!

طب هل الإعجاب بشخصية بنت كفيل يأكد للراجل إن هي دي البنت اللي عايز يكمل معاها؟ طب لو كان معجب بشخصيته فعلاً ليه أول ما يقرب يبتدي فورًا في تغييرها؟ أسئلة كتير وعلامات تعجب من واقع تجارب عيشتها وشفتها قدام عيني مع ناس حواليا، كلها بتتمحور حوالين شخص بيستنزف شخص تاني، ومن غير عنف واضح ولا اعتداء ولا إهانة، كل محاولات التغيير بتكون بشكل خفي، وأحيانًا غير مُتعمد كمان، والمشكلة الحقيقية مبتظهرش في البدايات ولا التلميحات وفترات الأغاني والمشاركات اللطيفة للاهتمامات، اللي ممكن بعد كده نكتشف إنها كانت مصطنعة عادي جدًا، أو مكانتش الجانب القوي اللي يخلينا نكمل في العلاقة دي.

وده حب إيه ده اللي من غير أي حرية؟!

أصاب منير في أغنيته لما قال الجملة دي بأسى من كل قلبه، عشان ألاقيها بتراودني من وقت للتاني، وبتخليني أتأكد إن الحرية جزء أساسي من أي علاقة، سواء كانت حب أو صداقة أو حتى علاقتنا بأهلنا، وألاقيني بمشي بسرعة من أي علاقة بتلف حوالين رقبتي وبتعدي حدود مساحتي الشخصية، ولأن من الصعب عليّ تحمل شريك مُسيطر بيفرض رأيه ويلغي شخصيتي، حتى لو كان هيقدملي حب مش هقابل زيه تاني في الحياة، ولأني عارفة كويس قيمة المشاركة في الحياة وفي القرارات، وطبعًا كل ده مع الأخذ في الاعتبار بالأصول وميثاق العلاقات واحترام وجود شريك في حياتي.

شبّاك الحياة

شعورك بالحرية أهم من شعورك إنك محبوب، لأن الحب الحقيقي مبيسجنش أطرافه جوة عقول بعض، الحب شعور غير مشروط إطلاقًا، بتحس فيه مع شريكك إنك حر ومدرك كل حاجة حواليك كويس، متقبلوش بعلاقات سامة، متقبلوش بحد عايز يفصلكم على مقاسه ويخليكم نسخة تانية تناسبه هو وبس، إحنا محتاجين شباك نبص منه على الحياة، نتنفس ونشوف الدنيا ونفهم ونغلط ونتعلم، متقبلوش بشريك حياة يقفل في وشكم الشباك ده.

“الحب الحقيقي لا يلغي عقلك ولا يدفعك للجنون، بل يجعلك تمارس من قناعاتك ما يقرب من المحبوب”  د. سارة النجار من كتاب GPS علاقات.

المقالة السابقة15 خطوة عملية: كيف تخرجين من بيت عنيف؟
المقالة القادمة7 خطوات تحمي بها طفلك من العنف الأسري
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

  1. […] الاهتمام والحب  تظهر بتفاصيل بسيطة ولكنها فريدة من نوعها. مثال: أنت تهتمين بتزويد زوجك بأجواء هادئة حتى يتمكن من النوم بعد يوم متعب في العمل أو ليلة بلا نوم. عندما تلاحظ أن زوجتك متعبة في نهاية اليوم، فأنت تقوم بتغيير حفاضات أو تحاول تهدئته. تتصل بوالدتك في طريقها إلى المنزل لمعرفة ما إذا كانت بحاجة لشراء شيء لها. لقد أحضرت شوكولاتة أختك لأنك تعلم هي تحبه. أنت تعانق وتقبل طفلك. […]

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا