الرسالة الأولى: لن نموت ساكتين

1179

بقلم: أمل محمد عبد الجليل

عزيزي القريب دومًا: سلامي إلى قلبك وعينيك وروحك الطيّبة. أُرسل إليكَ الرسالة الأولى وأتمنى ألا تكون الأخيرة أبدًا.

حقيقةً لا أدري كيف ستجري الأمور فيها، ولكنّي على يقين أنك ستكون بطل رسائلي دائمًا وأبدًا. يقولون يا رفيقي إنّ الكتابة أقصر الطُرق للتعبير، بعيدًا عن العيون التي تحكي الكثير. ولكن أين لعينَي أن تراك الآن! حسنًا، دَعنا لا نتطرق إلى أسئلة وجودية ستبدأ بعينيك، ثم قلبك الذي حلمت طويلاً أن أسكنه، ولن تنتهي إطلاقًا.

مُنذ ستة أعوام تقريبًا أهدتني صديقة كُتيبًا إلكترونيًا صغيرًا، بعنوان “لن نموت ساكتَين”. عبارة عن رسائل تدور بين “عزيز” و”سدرة” الغريبين عن بعضيهما تمامًا، ولا يجمعهما سوى أنهما غاضبان على الحياة، ويشعران بالحزن أكثر مما يجب، فيقررا أن يراسلا بعضيهما، وبعد سنة نشرا هذه المُكاتبة. فقد قررا ألّا يموتا ساكتين.

وأُسوةً بهما قررت أنْ أكتب لك، لَرُبما تكون إحدى الطرق للنجاة من هُنا. فالعالم مُوحِش والوجود غير آمن والطريق طويل جدًا. ومن المُوجِع حقًا ألّا نكون معًا الآن، ولا نكاتب بعضنا بعضًا ولو قليلاً. ولكن ما زال هناك الأمل أيضًا. سأكتب لك رسالتي لعلّ الورود تنبت في صدري من جديد وينير قلبي ثانيةً. سأكتب لك لأنّي أخاف أن ينتهي العالم دون أن أبوح لك بما في قلبي، أن ينتهي العالم دون أن تشاركني مُوسيقاي وليلي الحزين، وبك لن يكون حزينًا أبدًا. أن ينتهي العالم دون أن نتقاسم رصيفًا لا يسع سوانا، وبنا يكون واسع المدى.

أينتهي العالم حقًا دون أن يُدركْنا ولو انتصار صغير معًا؟!

أُدرك أن لا داعي من تَساؤلات سَتُطيح برأسنا أرضًا، ولا داعي لهجوم على عالم لم يكُن مِلكنا يومًا، ولم يعبأ بحُزننا ولو للحظات. فالأرض لن تتوقف عن الدوران لأنّك حزين، ولن تبكي معي السماء لأنّي أشتاقك. ولكنّي سأكتب لك تلك الرسالة حتى لا نموت ساكتين، سأكتب للأُمنيات والأحلام وفُستاني الأزرق والمطر ورقْصتنا معًا، وفراشاتي وأغنيتي المُفضلة. وإلى البحر وإلى زهرة عبّاد الشمس وإلى الصُدف الجميلة ولُطف الله الخَفي دومًا وإلى الطريق الذي لم نكن سالِكيه لولا تدابير الله، لنجدُه قد أنْبتَ ورودًا لنا.

إلى كل ذلك، إلى الذي لم يحدث ولن يحدث.. وإليكْ. إلى الرسائل التي كُتِبت ولم تَصِل، وبَقيتْ بين أدراجي تُونّس وحدتي. إلى الشوارع التي أتخيّلها دومًا تشهد أُولى مغازلتك لِي، إلى كتفك التي ستحالف إسنادي دائمًا، وإلى يدك التي لن تفلت يدي قط. إلى عيْنيك. وإلى كل شيء سيكون جميلًا حتمًا بِمُجرد ارتباطه بِكْ.

فإليكَ رسالتي ومعها باقة ورود تُشبه قلبك تمامًا.

اقرأ أيضًا: رسالة إلى حبيبي ابن الكلب

المقالة السابقةأفلام ديزني قد تشوه أفكار طفلتك
المقالة القادمةأنا أم في عالم ليس به مكان للأمهات
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا