النجاة من كرب ما بعد الصدمة

2985

بقلم: هند عزت

هل أنت ناجٍ من حادث سيارة مروع، أم ضحية اعتداء جسدي أو نفسي مروع؟ هل تعرضت لحادث جلل في الطفولة، أم جندي شاهَد في الحرب ما لا يطيقه بشر؟ هل فقدت شخصًا عزيزًا وغاليًا من قبل؟ هل كنت ضحية علاقة دمرت أوصال حياتك؟ هل تعرف أنك مررت للتو بكرب ما بعد الصدمة؟ إذًا أنت ناجٍ. مرحبًا بك في مجتمع ما بعد الصدمة، أو بالاسم العلمي الدقيق اضطراب الكرب التالي للصدمة، وهذا المقال خصوصًا لمساعدتك في التعرف على العلامات والآثار الناتجة من هذا الاضطراب، وما يجب عليك فعله لتجاوز هذا الأمر.

أعراض التروما أو كرب ما بعد الصدمة

بداية نستطيع القول إن كرب ما بعد الصدمة غير مرتبط بسن معينة، فهو يصيب الأطفال والكبار بدون تفرقة، ويظهر كرد فعل على التغيرات الكيميائية في الدماغ بعد التعرض لأحداث تهديد، جسديًا كان أو نفسيًا، مما يتسبب للمصاب به بإحساس قوي بالخطر، يجعله يشعر بالتوتر أو الخوف، حتى في الحالات والأوضاع الآمنة.

عادةً ما تبدأ أعراض الكرب التالي للصدمة بعد ثلاثة أشهر من التعرض للأزمة المثيرة للصدمة، لكن في أحيان أخرى تبدأ بعد الأشهر الثلاثة بكثير، لكن لتحديد ذلك لا بد من ملاحظة أعراض بعينها، حتى يتمكن المصاب أو المقربون منه من تحديدها، حتى يستطيع أن يلجأ المصاب إلى طلب المساعدة من متخصص إذا اقتضى الأمر.

اقرأ أيضًا: ما هي أعراض كرب ما بعد الصدمة

تشخيص كرب ما بعد الصدمة

لا يوجد اختبار معين لتشخيص هذا الاضطراب، وبالتالي يكون هناك صعوبة في تشخيص المصاب به، وذلك لأنه عادة ما يرفض التحدث عن الأمر الذي تسبب له بصدمة، مما يصعب على غير المتخصص أن يتعرف على المصاب به. لكن هناك معايير وضعتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس، لكي يتعرف الشخص بنفسه أو أحد المقربين منه عليها، وتتمثل في:

– إعادة التجربة أو الذكريات الاقتحامية: وتتمثل في إعادة تذكر الأمر مرة تلو الأخرى، ويصاحب ذلك انزعاج شديد من الأمر، أو الإصابة بكوابيس تتعلق بالأمر.

– التجنب: ويشمل ذلك تجنب الأشخاص أو الأماكن التي تُذكِّر المصاب بالحادث، أو عدم التحدث حول الأمر ورفض أي محاولة لتذكره مصحوبة بلا مبالاة عاطفية.

– ردود الفعل الانفعالية: صعوبة في النوم أو سرعة الاستيقاظ منه، نوبات الغضب المتزايدة، ردود الأفعال المبالغ بها غير المتناسبة مع الأحداث المحيطة، فقدان القدرة على التركيز.

– الإدراك والمزاج العام: الشعور بالذنب وإلقاء اللوم الدائم على النفس، أفكار سلبية ومشوهة عن النفس، الاكتئاب، الفوبيا المفاجئة، القلق المستمر، نوبات هلع و ذعر.

– الأطفال: تكرار الحدث الصادم أو الإشارة إليه أثناء اللعب، أحلام مخيفة وكوابيس بشكل عام قد تتعلق بالحدث أو لا.

إذا وجدت هذه الأعراض لديك تلي صدمة قد مررت بها، أو لدى أحد المقربين تتكرر لمدة شهر أو ما يزيد، فطبقًا لتشخيص الجمعية هذه الأعراض الواضحة لمتلازمة ما بعد الصدمة.

اقرأ أيضًا: 10 نصائح لمساعدة شخص يعاني من كرب ما بعد الصدمة

ليس كل كرب هو كرب ما بعد الصدمة

من منا لم يُصب بهذه الأعراض عند فقد عزيز، أو حتى عند خسارة شخص لم تتخيل أبدًا خسارته نتاج مشاجرة، أو حتي حادث سيارة جعل من العسير عليك ممارسة السواقة مرة أخرى؟! المرور بصدمات أمر مروع، والمعاناة التي تلي ذلك لا تعني أنني شخص ضعيف أو غير قادر على معالجة أموري، بالعكس، تأثير الصدمات السلبي عادةً هو مؤشر لإنسانيتي، وتأثري بها هو أمر طبيعي، نتاج كيمياء المخ التي لا حيلة لنا أمامها. التساؤل الصحيح هنا:

متى ألجأ لمساعدة الطبيب؟ ومتى أدرك أنني سأتجاوز هذه الصدمة بشكل تلقائي مع الوقت؟

اللجوء للطبيب يكون الحل المثالي إذا استمرت الأعراض المذكورة لشهرين متتاليين، فكلما زاد وقت الأعراض تناسب ذلك مع فرص الإصابة بأمراض خطيرة، كأمراض القلب والأمراض المزمنة بشكل عام، وأيضًا لاستمرار الأعراض فترة طويلة أثر على العلاقات الاجتماعية، وتسبب صعوبة في ممارسة العمل، أو في حال بلغت شدة الأعراض اعتراض مسار الحياة الطبيعي، فحالت من دون المصاب بها والقيام بمهام يومه العادية مثلاً، أو إذا شعر المصاب بها برغبة في إلحاق الأذى بنفسه، وأيضًا إذا لم تجد الدعم المناسب لدى العائلة والأصدقاء، أو شرعت في تناول الكحوليات والمخدرات. كل هذه الأعراض كارثية وتستلزم استشارة فورية من الطبيب النفسي.

أول خطوات العلاج والنجاة من كرب ما بعد الصدمة

اللجوء للطبيب قد يكون خطوة ثقيلة لدى البعض، وأيضًا قد تكون مخيفة، لكن لبث الطمأنينة هناك خطوات علاج متعارف عليها ومتبعة لعلاج هذا الاضطراب، سنستعرضها أيضًا في هذا المقال حتى يسهل على الراغب في اتخاذ هذه الخطوة الخوض فيها دون تردد:

– العلاج المعرفي: يلجأ المعالج لهذه الطريقة ليحدد للمصاب طريقة تفكيره، التي تزيد من سوء حالته، وأفكاره السلبية الخاصة به والأحداث الصادمة التي يظن أنها ستحدث مجددًا، ويكون هذا العلاج مصاحبًا عادةً للعلاج بالتعرض.

– العلاج بالتعرض: يعتمد هذا العلاج على مواجهة المريض بمخاوفه، والذكريات السيئة التي صاحبت الحادث، ويعلمه المعالج فيها كيفية التعامل والتصدي لتلك الأفكار.

– العلاج الجماعي: قد يضطر الطبيب إلى ضم المصاب بالصدمة إلى مجموعة من الآخرين مروا بنفس التجربة، أو تجارب مشابهة، حتى يسهل التحدث عنها والتخفيف من حدتها.

ولا ننسى العلاج الدوائي الذي قد يضطر الطبيب إلى اللجوء إليه، في حالة الخوف على حياة المصاب، أو ازدياد بعض الأعراض حدة، مما يهدد السلامة النفسية للمصاب، فيجب أن لا نخشى من لجوء الطبيب لبعض العقاقير الطبية، فكلما تعاون المصاب بهذه المتلازمة مع الطبيب ازدادت سرعة الخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر.

اقرأ أيضًا: علاج كرب ما بعد الصدمة: نصائح وأماكن للدعم

التعافي ليس مستحيلاً

أحيانًا كثيرة بعدما نتعافى من ألم الصدمة ونجتاز مرحلة كرب ما بعد الصدمة، تظل هناك تلك الغضاضة في الحلق، عندما نتذكر ما ألم بنا أو يحدث ما يذكرنا به بشكل عام، كل هذا طبيعي، فالجروح التي تشفي تترك ندبات لا تزول، ولكن هذه الندبات هي دليل المرء أنه حي ومتشبث بالنجاة، وأنه قادر على إكمال رحلته الخاصة، وسيقوم أيضًا بنقل خبراته إلى الآخرين كي يساعدهم، ولو بطريق غير مباشر على استكمال طريقهم الخاص. الألم هام لصقلنا، وكذلك الحزن، فما من خبرة خارجية مكتسبة تسطيع أن تكسبنا ما يستطيع الألم فعله.

اقرأ أيضًا: تجربة شخصية للبحث عن الضوء
المقالة السابقةكرب ما بعد الصدمة: تجربة شخصية للبحث عن الضوء
المقالة القادمةحبوب مهدئة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

  1. المرور بصدمات أمر مروع ، والمعاناة التي تلي ذلك لا تعني أنني شخص ضعيف أو غير قادر على معالجة أموري ، بالعكس ، تأثير الصدمات السلبي عادةً هو مؤشر لإنسانيتي ، وتأثري بها هو أمر طبيعي ، نتاج كيمياء المخ التي لا حيلة لنا أمامها.
    ❤️️❤️️❤️️
    رائع.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا