(١)
يقولون في كل كتب النصائح وبرامج التليفزيون: لا تكوني واضحة وتقدمي قصة حياتك على طبق من فضة، فالرجل يحب المطاردة والغموض، لا تُعبِّري عن مشاعرك، فالرجل إن ضمن المرأة بحث عن غيرها ليشبع غريزة الصيد والجمع، ليثبت أنه لا زال قادرًا ولا زال رجلاً.
يقولون كوني مرحة ولا تكوني مصدرًا للغم. كوني أنيقة وجميلة طوال الوقت. لا تخبريه عن مشكلات أسرتك، فيكوِّن صورة ذهنية تُنفِّره منك، أو تستضعفك. ولا تحدثيه عن علاقاتك السابقة فيُقاد إلى تفادي أخطائهم وتصنُّع أفعال لكسبك.
ما تضربونا بالنار أسهل؟!
يقولون: الرجل لا يحب الفتاة القوية، لا تظهري ذكائك ولا تصححي أخطاءه، لا تكلمي الرجل أثناء الماتش ولا فور عودته من المنزل، ولا فور استيقاظه من النوم، لا تلوميه على سوء تصرفه، ولا تقارنيه بغيره، الرجل لا يحب الفتاة الـNeedy التي لا تحرك قدمًا عن قدم دون أن تغرق، ولا يحب المستقلة التي تُشعِره بعدم الحاجة تمامًا إلى وجوده.
كتالوج صارم لا أنكر فاعليته، ولكنني لا أجد سعادة فيه، ما تصفونه هو “كورسيه” جديد لحياكة شخصياتنا، تريدون حشرنا جميعًا فيه فنخرج كلنا بنفس القياس، على غرار موضة الجسد النحيف والشفاه الكبيرة وخلافه، كورسيه سلبنا حتى متعة الحكي، حق أن نسمع، وأن نكون أنفسنا، تُجسِّده موضة “السترونج إندبندت وومن”، أو ما صرت أسميه بـ”عيطي عند أمك”.
(٢)
صرت أفتقد الوقت الذي كننا نتصارع فيه مع قالب “البنت المؤدبة”، فالضغط لم يعد محصورًا في جلسات الخالات والجيران، وفريق الطنطات، بل أصبحتِ تقفين في المنتصف تمامًا بين جيلين متناقضين، في المنزل يرشح لك كل من يراك ابن فلانة وأخو مدام علانة، وفي العمل تُلتَهم ذراع كل من تتحدث عن الزواج، ففي العمل يحكم قالب “السترونج إندبندنت وومن”، حيث الفتيات نوعان فقط، واحدة هتموت وتتجوز، نرمقها باحتقار ونرجمها ونتهامس في ظهرها، والأخرى لم تُخلق بهرمونات أنوثة ولا غريزة أمومة، و”عقبالك” شتيمة لها ورجعيّة ولا رد عليها غير نظرة من الأسفل إلى أعلى متبوعة “ببعد الشر”.
(٣)
ثم تظهر المذيعة النابغة لامعة الذكاء، تتحدث عن “كائن الست”، تضيف كلمة “كائن” على سبيل الروشنة، غير مدركة أنها تصف بالفعل كائنًا جديدًا تمامًا. أقول وأنا أقتبس كلماتها: “أثنى قدام جوزها في البيت، راجل مع الناس في الشغل”، وأضيف: غسالة بالكهربا بين الشيفتين، طب هننام إمتى؟ قبل ماسك الترطيب ولا بعد نشر الغسيل؟ ولا أثناء الشغل ولا بعد امتحانات الولاد؟ ولا كائن الست مكتوب عندكم في الكتالوج مبينامش؟!
يقولون لها: اجتهدي.. ولكن انتبهي أن تتحقي أكثر من اللازم فيخافك الرجال وينفرون منك، ولكن اكسبي المال للتشاركي معه مسؤولية الإنفاق على المنزل، ثم أنك أم تتصدرين وحدك قائمة المُتَّهمين في أي تقصير أو لوم محتمل في كل ما يخص الطفل، تجرين في ٣ مسارات، بينما يتكتك فوق رأسك منبه صلاحية بويضاتك.
يجب أن تتزوجي قبل أن يدق المنبه، ولكن دون أن تظهري الرغبة في الزواج، ولا الحاجة العاطفية إلى تكوين أسرة، وفي نفس الوقت، يجب أن تنجحي في عملك، دون أن تتحققي أكثر من اللازم، ذلك العمل الذي تُعامَلين يوميًا فيه على أنك تشغلين مكان رجل حرمتِه من مهنته، فلا أقل من أن تثبتي جدارتك به كل يوم، أيام من إجازتك السنوية؟ لا عايزين نسترجل كده! شيفتات بالليل لأ ليه؟ مش بتطالبوا بالمساواة، اللي عندها عيل تقعد تربيه، ورانا ضغط شغل، التيم عايزله راجل كده يشده!
(٤)
في كل مكان هناك قالب للفتاة المقبولة والمحببة، هناك قائمة بما يجب أن نقوله وما يجب ألا نقوله. وبشكل ما لا دخول في أي قالب منهم دون حشو أو لبيسة، فبشكل عام صارت كل واحدة منا تشعر بالنقص وعدم الاستحقاق. نتسلم الكتالوج تلو الآخر، ونحفظ عن ظهر قلب، ما لا يجب أن أقوله لشاب حتى لا أبدو ذكية أكثر من اللازم، ولا قوية، ولا مدلوقة. ما يجب ألا أقوله في إنترفيو حتى لا أظهر كسولة، وفي نفس الوقت لا يجب أن أعدد كل مهاراتي حتى لا أعمل أكثر من اللازم. عليَّ أن أكذب في راتبي السابق، لكي لا أتقاضى أقل من اللازم، ثم أؤكد أنني غير مرتبطة، لكي لا أخيفهم على مستقبل الإنتاج.
يُفتَرض ألا يكون هناك كتالوج يحدد قياسات شخصيتك، إلا أنهم نجحوا في صنع هذا:
– فتاة هادئة بشوش لا تتوقف رموشها عن الرفرفة.
– ذكية كفاية لإلقاء نكتة أو استكمال مناقشة عميقة.. غبية كفاية لعدم تصحيحه أو كشف كذبه.
– ناجحة كفاية لتكوني شريكة أنيقة يفتخر بها، ولكن أقل من أن تتحولي إلى تحدٍّ أو تهديد.
– متفتحة كفاية لتؤمني بالمشاركة في الأعباء المادية، وشرقية كفاية لكي تقاطعي كل أصدقائك الذكور.
– مستقلة ماديًا لخدمة الأغراض السابقة، مع استعداد للتخلي عن العمل في حال قصرتي في مهام المنزل.
– قليلة الرغي والهري والشكوى، صريحة مع لمحة من الغموض، وأنيقة في كل وقت.