ترجمة: نادين عبد الحميد
إنها كانت لحظتي الأولى من بين عدة لحظات، عندما خطفت نظرةً إلى أمي وأدركت أنها شخصُ مُنفصل عني تمامًا، نظرت إليها وهي تستلمُ جائزةً -عندما كُنت فَتاة مُراهقة- أمام جمع من الناسِ الذين كانوا في هيئةِ حسنةٍ، وأنا جالسة أمامي أطباق من السلطات يقدمها الفندق، رأيتها ترقصُ وتزمُ شفتيها قليلاً، ترتدي تنورة طويلة كما اعتادت دائمًا أن تفعل وتتحرك معها بخفة، في اللحظة السنوية التي تتكرر كل عام عندما كانت تحمل معها المجلات والمشروبات الغازية في سيارتها، وتتحرك بها بعيدًا لتقضي إجازة آخر الأسبوع وحيدة في المقصورة.
هل أرى أمي؟
أشعر بصدمة قوية، ربما تتعلق قليلاً بتلك اللحظات التي كانت قليلة للغاية، حتى الآن، وبعد سبع وثلاثين عامًا قضيتها مع أمي ويفترض أنني أعرفها جيدًا، يبدو الأمر وكأنني لا أستطيع أن أراها بشكل كامل. كم أنا قريبة منها كثيرًا، ولكن كل شيء يبدو وكأنني أتجول في متحف، أقف قريبًا جدًا أمام لوحة مجردة واسعة وأحبها بجنون، أتمنى فقط لو أنني أستطيع أن أخطو خطوة للخلف لأستوعبها تمامًا وأعرف ماهيتها، ولكنني محصورة في تأمل إنش واحد منها، في اللحظة الحالية التي أعيشها الآن.
أتمنى فقط لو أنني أستطيع أن أرى أمي كما هي، بدلاً من انشغالي بالتوقع النفسي لما قد تصبح عليه، أو كقديسة تستحق أن تُعبد، أو كجرح يلتئم، كل شيء محير جدًا ومشوش للغاية، أنا كبيرة بما يكفي لأفهم أن أمي هي الكثير والكثير أكثر من أنها مجرد أمي، جعلني هذا أتساءل: هل يستطيع طفل و-بالأخص ابنة– أن يقر في داخله بحقيقة الحياة التي تعيشها والدته؟
إنه لسؤال مهم بالنسبة لي، بما أنني أحاول أن أنمي علاقة ناضجة -ربما بشكل محترف أحيانًا- وفي أحيان أخرى أخطأ في ذلك مع والدتي، وهو أيضًا مهم بالنسبة لي، حيث إنني أحاول أن أتوقع كيف سيكون قدري كأم لطفلتين، هل سيعيشون نفس المعاناة يومًا ما؟ هل سيهتمون بما أكون عليه حقًا؟ هل سيعرفون كيف يتراجعون إلى الخلف قليلاً لرؤيتي في صورة أوضح؟ هل هذا أمر مهم؟
كيف يراني أطفالي؟
أنا حتى لا أتمكن من رؤية نفسي بشكل دقيق، سأكون جالسة في الظلام، أقوم برعاية ابنتي الصغيرة، وفجأة سأدرك أنني والدتها، على الرغم من أنني أم منذ أربع سنوات الآن، “إنني أم لأحدهم!”، ربما سيكون هذا ما أقوله في داخل رأسي، يبدو الأمر مثيرًا للضحك وغير واقعي أبدًا، على الرغم من أنني كنت مغمورة في تفاصيل الأمومة طوال هذه السنوات التي مرت، وعلى الرغم من أنني كنت أسحب هاتين الطفلتين الصغيرتين في أنحاء البلدة، وعلى الرغم من أنني أتعلم أي الصرخات هي آخر صيحات التمرد والعصيان من أجل المزيد من الحاجة إلى النوم، وأيهم لا نهاية لها بدون أن ألمسهم.
لديَّ ذكاء بارع في رعاية الأطفال الصغار وإبقائهم على قيد الحياة، تلك المهارة التي لم أتمكن منها أبدًا من قبل، لقد تغير شكل جسدي -مرتين أثناء فترات الحمل- وأيضًا بعد انتهائه، كما أنني قد حصلت على عضلات ذراع مدهشة بعد حمل الأطفال الصغار إلى أعلى الدرج وأسفله، بطريقة ما، لا زلت أستوعب فكرة أنني أم، وأنني حصلت على ذاك اللقب المقدس.
لذلك أنا إلى حد ما لا أستطيع أن أرى نفسي كأم، وأيضًا لا أستطيع أن أرى أمي أي شيء آخر.
أنا والأمومة
هذا الأمر خصوصًا شديد الغرابة، حيث إنني لا أستطيع الإيمان تمامًا بفكرة أنني أصبحت أمًا، على الرغم من أن خبرتي في الحياة الآن أصبحت لا شيء سوى ذلك، عندما أكون مع طفلتَي -وأكون معهما كثيرًا- أشعر بنفسي وبوجودي، ولكن أكون أكثر صمتًا، أنا لا أستطيع فعليًا أن أسمع الكثير من رغباتي واحتياجاتي الشخصية، لأن رغباتهما تصرخ دائمًا بصوت أعلى، وهذا جيد بطريقة ما، إنهما ما زالتا صغيرتين جدًا، وأنا أعرف هذا جيدًا، كما أعرف أن هذا سيكون مؤقتًا، ولهذا السبب آخذ وقتًا طويلاً في الاستحمام وقتما أجد فرصة لذلك، أدع الماء الساخن يقذف كتفَي وأحاول أن أسمع صوت أفكاري والشعور بذاتي من جديد، “ماذا تريدين حقًا؟!” أسأل نفسي.
في بعض الأحيان لا أجد إجابة، ولكن الظلام والماء والباب المغلق عليّ هي كل ما أحتاجه من أجل أن أستعيد شيئًا ما بداخلي يسمح لي بالابتسام بكل إخلاص في وجوه أطفالي من جديد، عندما دخلت عليّ طفلتي الصغيرة ذات ثلاتة أعوام، بينما كنت أجفف نفسي، وبدأت تحدق فيّ وكأنها تتأملني، ثم سألتني إذا كانت تستطيع مساعدتي في وضع المستحضرات.
في اليوم التالي، سألتني ابنتي دون تفكير وبشكل مفاجئ، “لماذا يجب عليكِ أن تعملي؟”، فقلت لها “لأن كل شيء في هذا المنزل يحتاج إلى المال، ولأنني أحب أن أعمل”، أعرف أن المال هو مصطلح مجرد تمامًا بالنسبة لها حتى الآن، وأنها كانت تقصد في الأساس “لماذا هناك شيء يبعدكِ عني؟”. وهذه صورة مشابهة للسؤال الآتي: “من تكونين عندما لا أكون معكِ؟”، أو ربما يكون “لماذا تكونين نفسك بينما لا تكونين أمًا لي؟”.
في هذا الوقت، شعرت بالإزعاج، إنها شديدة الالتصاق بي، أصبحت تودعني بصعوبة وحزن أكثر، إنني أريد فقط أن أصبح قادرة على أن أغادر بدون أن أسلب نفسي خفية كي لا أجعلها تشعر بالإحباط، أريد أن أكون نفسي التي لا علاقة لها بكوني أمًا لأحدهم دون أن أشعر أنني أجرح مشاعرها.
عندما بدأت التفكير في الأمر لاحقًا، شعرت بالتعاطف مع هذا الجرح، إنه ليس متعلقًا فقط بكونك تريد والدتك، وإنما هو تحدٍّ بين المفاهيم المختلفة للأمومة، ربما هي قد بدأت للتو الوقوف في صمت أمام اللوحة التي من المفترض أن تكون أنا.
المقال الأصلي بعنوان: Seeing Our Mothers As People
للكاتبة: Courtney E، Martin