في رحلة البحث عن الذات، كم اشتاق لنفسي القديمة

3733

بقلم: ندى محمد قطب

أشتاق إليَّ كثيرًا.. أشتاق إلى تلك الفتاة التي تملأ محيطها دائمًا بالضحك والنكات. هي التي من الصعب تحديد أين يوجد موقعها لكثرة حركتها، الآن هي في الشمال بعد دقائق في الجنوب، لا تتوقف ولا كان يخمد نشاطها.

سأتحدث عنها قليلاً، أو ربما كثيرًا. كانت أحلامها لا تتوقف، كل ساعة يضاف إليها آخر جديد، الأغرب أنها كانت لا تستصعب أي جزء منها مهما بدا واقعيًا أنه مستحيل ربما ذلك من مضمون أسباب اختفائها.

أتذكر جيدًا صديقة مقربة أخبرتني: “أتمنى كثيرًا أن أكون مرحة مثلك، أن أضحك باستمرار حتى لو بسبيل السخرية من مشكلاتي”. مرت ثلاث سنوات وخسرت ذلك المرح، وخيم السكون والبرود على ردود أفعالي. من يذهب يذهب ومن يبقي فحسنًا. تلك الأحلام أشاهدها على الآخرين وأخفق مرة تلو الأخرى في الحصول عليها.

بالمناسبة، هذا الاشتياق لم يكن معنويًا فقط، بل كان ماديًا أيضًا، يمثل في ازدياد وزني قديمًا كنت أخاف أشد الخوف من اكتساب ولو جرامات قليلة، أما الهواية الوحيدة التي كان يغلب قضاء وقتي بها التصميم، وهجرته هو الآخر. حاولت منذ أيام أن أرسم لكن يدي فاجأتني بأنها ترتجف، وأصبحت أستخدم ممحاتي تغلب استخدامي للقلم، ولم أجد بعقلي فكرة أنجح في الالتقاء بها وإحيائها على أوراقي. نعم خمس سنوات على تركي التصميم والرسم، ولكن ظننت أن مهاراتي وساعاتي التي قضيتها قديمًا ستشفع لي في التذكر سريعًا. الآن أنا لم أعد قادرة على رسم أبسط ما كنت ماهره به.

إحساس داخلى يجعلني أشعر أنني أفعل كل شيء لأمحو ملامحي القديمة واحدة تلو الأخرى دون إدراك السبب. هل لأنها وأحلامها خذلتني؟ هل أخفقت في جعلي أن أكون ما أردت؟

ذات مرة كتبت ما أكره من أفعالي، فوجدتني في الفترة الأخيرة مداومة على الالتصاق به، رغم أنه في الماضي كان يتكرر قليلاً، وكان عقلي  يعطيني جرعة لا بأس بها من التوبيخ والتأنيب.

الآن أنا أقف بعيدًا عن ما أريد، حتى أنه لطول المسافة وتواصل فترة البعد نسيت ما أريد. هل يحدث للإنسان أن يتوه عن ذاته وعن أبسط ما يدفعه للمضي قدمًا في الصباح؟ للأسف حدث بالفعل!

تكونت بداخلي نفسي الأخرى وحجبت ملامحي القديمة رويدًا رويدًا دون أن أشعر. أطلت كثيرًا ولم أفِ بوعدي، وإذ أن الحديث عني ولكن ليست تلك الأحاديث التي ينبهنا عنها علماء النفس “لا تطل الحديث عنك”، لأنني هنا أكتب من باب أن أستحث بكلماتي غائبًا عني لكي أعود، ولا أبالغ إن قلت إن فقدان المرء لذاته هو من أشد الأمور تعقيدًا في الكون. وأنا أشتاق إلى نفسي.

أخيرًا أكتب هذا وأنا في نقطة أجهل تحديد موقعها من الزمان والمكان، إذًا لنعطيها لقب “نقطه اللا مكان واللا زمان حتى إشعار آخر. اليوم أكتب وأنا سأذهب لرحلة للبحث فيها عني، بعدها إن نجح الأمر سأعود لأكتب عن رحلتي وكل ما حدث معي. ضالتي هنا تبدو غريبة بعض الشيء عند عرضها كفكرة، إلا إن كنت مثلي تشتاق إليك، فلن تتفاجأ.

اقرأ أيضًا: تجربة شخصية للبحث عن الضوء

المقالة السابقةبـ100 وش: 7 أسباب جعلتنا نحب الأشرار.. الرابعة ستدهشك
المقالة القادمةكيف نحمي الأطفال من زيادة الوزن في زمن كورونا
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا