نفسي التائهة في سبع سنوات

813

بقلم: مها محمد

مرحبًا بشير استيقظتَ متأخرًا اليوم! هل أعد لك الفطور؟ هاك فطورك ومعه رسالة إليك:

عزيزي بشير/

قبل سبع سنوات كنت أقضي صباح أحد الأعياد وحيدة في المنزل، فجلست أشاهد فيلمًا وأنتظر اتصالاً منك لا يأتي. كان فيلمًا عن فتاة تحب الكتابة، ويشجعها زوجها على ذلك، وتدخل تحديًا لمدة عام. كل ما في الفيلم أسرني ورسم ابتسامة على وجهي، لازمتني حتى نهاية الأحداث.

أحببت الفيلم كثيرًا لأني رأيت فيه شيئًا سيشبهنا بعد أن نتزوج. الكتابة والتدوين، والأريكة التي ستجمعنا، ومشاركة الأفكار وقراءة التعليقات، دعمك لأكتب روايتي الأولى، كما وعدتني ونحن نسير في الطريق معًا بجوار محطة القطار. كنت مأخوذة مأسورة، تشبهني بطلة الفيلم حين أشعر بالفرح وحين أصاب بالإحباط. من فرط ما كنت أشعر به بعد انتهاء الفيلم أسرعت نحو الهاتف واتصلت بك، متناسية شجار ليلة العيد الذي وقع بيننا.. وتحدثنا.

أتاني صوتك هادئًا، فهدأت، ولم أحكِ لك عن الفيلم وأسررته لنفسي، علَّني أشاهده في المرة القادمة ونحن معًا.

ثم مرت السنوات وعلمت أن الفيلم سيذاع بعد دقائق على شاشة التلفاز، فاستبقيتك بجواري لتشاهده معي، وأحكي لك عن ذكرياتي مع الفيلم، وسبب إصراري أن تشاركني مشاهدته، عن مشاعري حين شاهدته أول مرة، وأوجه الشبه بين حكايتنا وحكاية الفيلم.

لكن شيئًا من حماسي كان منطفئًا، حتى أنك خلدت للنوم وأنت تشاهده، وأكملته أنا وحدي. ربما لو كنت قد أخبرتك بحكايتي مع الفيلم كان حماسك للمشاهدة سيزداد، أم لأن الحال المعتادة أن أفشل كلما أردتك أن تشاركني أمرًا أحبه؟! أو ربما لأن أمرًا أكبر كان مسيطرًا عليّ؟ أجل هو كذلك. إنه خوفي من استعادة ما حدث في الماضي.

عزيزي بشير:

حين تعارفنا كنت تعلم أني أكتب. كانت الكتابة الشيء الوحيد الذي أجيده، وأحبه وأتعلم احترافه. كانت الكتابة علاجي وخلاصي وملجئي من كل المشكلات. كان الله يداويني حين تسترسل الكلمات وتنهمر على عقلي. كنت أشكر الله كلما فاضت ينابيع المفردات أمامي وانطلقت يدي تكتب بلا توقف.

أن أكتب يعني أن أشفى. ربما كنت لا تعلم أهمية الأمر لي، ولكنك كنت تعلم أني أحبه وأفعله ومستمرة فيه. كانت تعليقات الآخرين تشجعني أن أكمل، وكان إلحاحهم ألا أتأخر في الكتابة يحفزني أكثر. أوراق في حقيبتي كثيرة، في كل ورقة فكرة أو مجموعة جمل تخطر على بالي، فأكتبها بسرعة قبل هروبها. أجمع الأوراق وأجلس أمام الشاشة أرتب وأجمّع لتكتمل تدوينتي وأنشرها.

أشعر بالقلق وأنا أضغط على زر النشر، وأرتاح كثيرًا حين يستحسن الآخرون ما كتبت. وحين ظهرتَ أنت، صارت تأتيني الكلمات من حيث لا أدري، صرت ملهمي.

حتى كانت اللحظة الفارقة

بعد سنوات من الكتابة وتطور الأداء، أغلقنا المدونة، وابتعدتُ عن كل الأصدقاء والمتابعين. انكسر قلمي وخاطري، وضاعت الأوراق والأفكار، ولم أعد قادرة على كتابة جملة واحدة. تحول إلهامي إلى مصدر تهديد، ولم أعد قادرة على الإبداع مرة أخرى. تناقصت مفرداتي، وقلّت قراءاتي، واختفيتُ وكأن شيئًا لم يكن، وكأني ما مررتُ يومًا على أحد.

أقرأ كتاباتي السابقة وأبكي لأني لا أستطيع إنتاج غيرها. استعصت عليّ الكلمات، وأصابعي لم تعد قادرة على الأداء كما كانت. لم أعد أجيد فعل شيء، لا رغبة لي في تعلم شيء، أريد فقط أن أكتب ولا أستطيع. سبقني من كنت أسبقهم، وحلم الرواية الأولى قتله الحزن والعزلة وغياب الإلهام.

أحيانًا تخطر ببالي فكرة، أسرع لأكتبها، فتصير جملة واحدة، واحدة فقط، أحاول أن أستطيلها لتصبح جملتين مثلاً، فلا أستطيع، كأن حجرًا كبيرًا في طريق الكلمات يعيقها عن المرور. أيأس فأغلق الدفتر، وتبقى المشاعر واقفة تمنعني من التنفس، لأنها لم تخرج على الورق لأرتاح.

بشير..

هل أصابك الملل وتسرب النوم لعينيك مرة أخرى، أم أنك لا تحب الحقيقة الخافية؟ أنت سبب توقفي عن الكتابة وابتعادي عن الآخرين. لم أعد قادرة على التعبير، عادت أساليب الطفولة الركيكة تغزو كتاباتي وتراجعت وعدتُ للوراء مرة أخرى، إلى بدايات تعلم التعبير.

متى أستطيع أن أتدارك ما فاتني؟ من يختصر لي الزمن فأعود سريعًا لأكتب بيسر وسهولة ومرونة واحترافية؟ من يراجع كلماتي ويدقق ويصفق ويعلق ويتابع؟ متى أجد نفسي مرة أخرى؟ نفسي التائهة في سبع سنين؟

اقرأ أيضًا: رسالة إلى حبيبي ابن الكلب

المقالة السابقةالتعلم والحياة وجهان لعملة واحدة: 7 أفلام تؤكد ذلك
المقالة القادمةبالخطوات طريقة تعليم السباحة للمبتدئين بنفسك
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا