بالخطوات طريقة تعليم السباحة للمبتدئين بنفسك

2285

أنت تظن أنك عالق في هذا العالم وحدك، تصيبك تلك النوبات الموحِشة من فقدان الذات، وتعثُر الخطى، واستحالة الحماس المشتعل. يأس عارم وفتور، بينما أنا هنا لأخبرك بكذب ظنونك. فأنا تمامًا مثلك، ومثلنا آخرون كُثر، تصيبنا خيبات الرحلة بالتخبط واليأس أحيانًا، بل وفقدان الرغبة في المواصلة حتى، فنذهب للبحث عن أنفسنا، لنجدها مُعلقة، تحتضر على أحد أبواب الظروف، أو ربما ساقتها رياح العمر إلى حيز غير مألوف من الهِرم المباغُت.

وفي الحقيقة أني لست هنا لأشاطرك الأسى، أو حتى لأحقن خيباتك بشيء من العطف، الذي تفشل في حقنها به، كلما أخمدت رياح المحاولة بك شعلة من الحماس. لكنى هنا كي أحملك معي، عبر صفحات المياه، إلى إحدى رحلاتي لوأد ذلك الفتور حيًّا، وإشعال فتيل جديد للحياة، بعد طول سبات. أو بعبارة أكثر إيجازًا: كي أطلعك على بعض من خطواتي على سلم التعلم.

أنا مبعرفش أعوم

هل ساقتك مشاعرك السلبية، يومًا نحو الغرق والهلاك التام، لتشعر أن الكون -على اتساعه- قد استحال حوض سباحة عميق، أُلقيت فيه قسرًا، ولم يبالِ ملقيك إلى صوتك المرتعب يخبره “أنا مبعرفش أعوم”، وظننت أن النجاة شاطئ لن تطأه قدماك بعد الآن؟

شخصيًا، اختبرت شعورًا كهذا، عددًا لا بأس به من المرات، مع تغيير طفيف في الوسط المادي، حيث أسفر حطامي عن عدد لا يمكن إحصاؤه من ذرات الغبار، التي تعيق الرؤية وتحولها جزيئات المياه بمرور الوقت إلى وَحل، تستحيل معه كل سبل الإرادة إلى لا شيء، ويصير الغرق نهاية مؤكَدة.

أكف الوحل وأذرع الإرادة

خلال سنوات عمري الماضية، تعلمت أن الإرادة الوحيدة القادرة على مد يد العون لي وتغيير مجرى أحداثي هي إرادتي. وفي كل مرة، قبل أن تتمكن أكف الوحل مني تمامًا وتسحبني لأسفل، لينتهي أمري بانتصار الوحل عليَّ وهزيمتي دون محاولة تذكر. كان يقيني بأنها مخلصي الأوحد يسحبني لأعلى، عبر إحدى أذرعها، التي لا قدرة لأكف الوحل على غمرها مهما فعلت، وكي لا تغلبك الظنون، لست وحدى من تملك إرادتها أذرع، أنت كذلك، إرادتك تملك، وجميع من حولك وحولي.

واذا كانت أذرع إرادتي تحركها الكتابة دومًا والغناء في أحيان كثيرة والطهي بانتظام، ربما تمثلت أذرعك في الرسم أو السباحة أو الرقص أو جميعها. ولأن الأجواء حولنا دومًا عاصفة، وتنبئ بالوحل، فما رأيك في مضاعفة أذرع إرادتنا، وتفعيلها جميعًا؟! فتكون الكلمة لأذرع إرادتنا دومًا، لا لأكف الوحل الصماء البائسة تلك.

ماذا عن تعلم الرسم أو الحياكة أو العزف على واحدة من أدوات الموسيقى؟ ما رأيك بإتقان إحدى اللغات ومحاولة القراءة والكتابة ومشاهدة الأفلام بها؟ هل فكرت يومًا في حضور أحد “كلاسات” الرقص أيًّا كان نوعه؟ وماذا عن تعلم السباحة ؟ إذا كان اليأس، يسعى خلفك بكل هذا الدأب، هل فكرت في مراوغته عبر صفحات الماء؟

منحة من رحم محنة

كان صيفي الماضي حافلاً بكل ما يمكن اعتباره إنجازًا، فبعد عمر من المحاولة استطعت أخيرًا أن أزيل كل تلك الزوائد البشرية، التي كانت تثقل كاهلي، تغبر روحي وتذبل ملامحي، بينما أتقن إخفاءها بالمساحيق، تخلصت منها تمامًا، فلم يعد على قوة روحي ومحبتي، من ليسوا أهلاً لها، ولم تأخذني الشفقة بقريب أو بعيد ادَّعى ودِّي أو أعلن كراهيته. أصابني بمكروه، أو كان لا يزال يتربص ويعد العدة.

ويستطيع أحد ممن خضعوا لجراحة عاجلة، أن يخبرك بكم الوهن الذي يعايشه لحظة بلحظة، والذي يجعل من انتصابة طوله وإقدامه على عدد من الخطوات شيئًا يشبه الحلم، وهو ما طالني. تخبطتُ تمامًا، انغلقت على ذاتي، وعايشت الوحدة حتى أصابني السقم، وصرت لا أشعر بأي من أعضائي إلا سقمًا.

زرت طبيب العظام الكبير، الذي عمل لسنوات طبيب لأحد الأندية الشهيرة، ورحت أصف ل، كيف أنني لم أعد أقو على تحريك كوب من موضعه، ما جعل تشخيص طبيبي السابق بوجود انزلاق غضروفي وشرخ بإحدى الفقرات أمر مصدّق وموثوق بلا مواربة. ومع فحص بسيط، تحولت عظامي فيه لكومة من الفشار، الذي هالني سماع صوت قرقعته بذا الوضوح.

أخبرني الطبيب: “إنتي زي الفل وكلك شباب وصحة، لكن جسمك مُتَيَبس تمامًا، يحتاج لنظام حياة صحي، زي النظام الصحي اللي عاملاه في الأكل. بتلعبي رياضة؟ بتمارسي سباحة؟ السباحة عظيمة جدًا، أنصحك بها”.

اقرأ أيضًا: من أجل صحة أفضل: كيف تعلمت الاحتياجات الغذائية لجسدي؟

نقطة انطلاق

خرجت من عيادة طبيب العظام في ذلك اليوم، وقد تحولت إرادتي إلى صاروخ مستعد للانطلاق في أي لحظة، وكان حديثه معي وحثه لي على التغيير، بمثابة نقطة انطلاق نحو تعلم السباحة. لم تكن لديَّ أدنى فكرة عما سأقوم به تحديدًا، لكن القرار كان قويًا بما يكفي لدفعي خارج الجسد المتحجر خاصتي، الذي احتلته مهامي اليومية، فصرت كإنسان آلي، يؤدي مهامه بمنتهى الميكانيكية، دون خطأ يذكر، بينما ينذر ضوء أحمر بكارثة سقوطه أرضًا، ما لم يتم صيانته على الفور.

ظللت الليلة الأولى أهرول خلف مؤشر البحث، بتحميل كتب إلكترونية، نُبئ مؤلفوها بحاجتي إلى تعلم السباحة قبل زمن من انتباهي لها، وبعد عدد لا بأس به من الصفحات النظرية، التي لم تطعم جوع حماسي للسباحة بشيء، قررت الدلوف إلى عالم يوتيوب السحري، وهنا وجدتُ ضالتي، عبر عدد لا نهائي من الفيديوهات الأجنبية كـ born to swim, swimtofly, swimup، والعربية مثل swim well, go deeper, swimtell، وغيرها من القنوات التي أراد أصحابها أن يخبروني وكثير ممن لهم نفس ظروفي، أن التعلم في عالم السماوات المفتوحة وقرية العالم الصغير، أيسر ما يكون.

وأن الأوان قد آن لنيلي اهتمامًا أكبر بأمر الإرادة، التي متى توفرت وتسلّحت، وصارت مقاوِمة لمعاول الهدم، داخليًا وخارجيًا، صار التعلم متاحًا، وصارت المعرفة كنزًا ثمينًا، نتقاسم مقتنياته فيما بيننا بمنتهى اليسر.

خطوات محسوبة

بعد مشاهدة عدد لا يمكنني إحصاءه من فيديوهات تعلم السباحة للمبتدئين، قررت التزود بعدتي، وهي: عوينات للسباحة ولوح للطفو فوق الماء. ثم حملت رغبتي في النجاة على كتفي، ونزلت إلى أرض المعركة، بينما لا يزال بداخلي شعور، يحاول تكبيلي، بدعوى أني لست مستعدة.

لم ألقِ بنفسي في الماء، لأتركها تجرفني إلى حيث تريد، مثل ما خلت أنني سأفعل حينما قررت تعلم السباحة. لكن على العكس تمامًا، وبخطوات محسوبة نزلت إلى الحوض، الذي يرتفع لأكثر من انتصابة قامتي، وبدأت في تطبيق المهارات التي تعلمتها تباعًا: مهارة الدرس الأول المتعلقة بالطفو، وذلك عن طريق الإمساك بحافة الحوض، وإطلاق العنان لجسدي ليطفو على صفحاته، وترك الحافة بعد بضع دقائق من ثبات الجسد في وضع الاستقامة.

بعدها تعلمت كيفية الاحتفاظ بأنفاسي لأطول فترة ممكنة، وذلك بتطبيق مهارة التحكم في إخراج الزفير تحت الماء، بشكل متقطع، وكذا التنفس بينما الرأس مغمور بأكمله. من ثم بدأت في تطبيق مهارة الدفع بالرجلين، مع الحفاظ على الجسم في وضعية مستقيمة، وكذلك فعلت مع اليدين، والحفاظ على إبقاء الرأس نصف مغمور في الماء، على امتداد الرقبة، ثم بدأت في تنفيذ العملية كلها متصلة، بعد عشرة أيام من التدريب.

إخفاقات متعددة

أخفقت خلالها عدد من المرات، لا أذكره على وجه التحديد، لكن ما أذكره تمامًا أنني مع كل إخفاقة تعلمت درسًا جديدًا، ونَمَت على ظهري قشور كتلك للأسماك، جعلتني أتحرر من مخاوفي وقيودي البشرية تمامًا مثلها.

وفي إحدى المرات، بينما كان الخوف يتملكني، ويشغلني أمر البعد عن الحافة، لحظتها تبددت كل المهارات التي تعلمتها، واستأثر بي الخوف، فكان الغرق وشيكًا، حينها وجدتني مثقلة بتوتري ورغبتي البائسة في النجاة، للحظة غطتني المياة كليةً، ولم يبقَ خارجها سوى كف يدي، الذي التقفته ثقتي، فيما تعلمت ويقيني أن النجاة ليست محض صدفة.

لكنها المعرفة التي تصر على رفعنا لأعلى، بينما يثبط الخوف هممنا، وبركلة لقاع الحوض، أعقبتها حركة بهلوانية بالأيدي والأرجل وجدتني أمسك بالسلم، الذي صعدته لألتقط أنفاسي للحظات، ثم عاودت النزول إلى الماء لأستكمل معركة تنتظرني في الماء.

السباحة ومآرب أخرى

أنا لست هنا كي أعدد لك منافع السباحة في نقاط نظرية، فمن خلال بحث مصغر بالشبكة العنكبوتية، ستتمكن من معرفة كل ما قد تحققه لك السباحة من مآرب وأكثر من ذلك، لكن حينما أخبرك أنني بتعلم مبادئ السباحة ومزاولتها بشكل مستمر لمدة ساعتين يوميًا، تحسنت حالتي النفسية والصحية بشكل لا يمكن إيجازه في كلمات معدودة. وأن مشكلاتي الصحية المرتبطة بالجهاز الهضمي وعقدة القولون العصبي المزمنة، قد وجدت أخيرًا طريقها للحل، حيث ظللت لأشهر لا أشعر بشيء يمكن ملاحظته، أكثر من الراحة التامة.

وأن عظام عمودي الفقري كادت تخرج من مسارها، لتُقبّلني على ما منحته إياها من راحة وليونة، بممارسة السباحة بشكل منتظم، ناهيك بانتظام النفس، الذي تسبب شعوري الدائم بالضيق في عدم انتظامه لفترة، وشعوري بصعوبة كلما هممت لاستدعائه بعمق، وكذا شعوري بالخفة والحرية والتحرر من القيود.

الماء أول ما يحمل أجسادنا

في تعلم السباحة أنت تواجه مخاوفك وتُقبِل على مواجهة ما يكدر صفو حياتك، تنظر إليه وجهًا لوجه، بينما تشق بيدك صفحات المياه من أمامك، وتنفض عن قدميك آثار الماضي، الذي تركله مع كل وثبة صغيرة نحو الأمام. ولأن الماء هو أول وسط يحمل أجسادنا الجنينية في أرحام أمهاتنا، فإن رباطنا به رباط تقرة الفطرة وتكفله، أول ما تتعلمه في الحياة هو البقاء متزنًا، وأول ما تنص عليه قوانين المياه أن تطفو ساكنًا.

تتعلم استخدام ساقيك في أولى خطواتك نحو الأشياء، وتلزمك السباحة ضمن دستورها بالتحكم بحركة القدمين، دون أن تختل استقامة جسدك أولاً. خلق الله أرواحنا حرة، تُجابه القيود وتكسرها في كل موقع سُلسِلت به، وكذلك تدعمنا المياه لنفعل.

فلماذا لا نعتمد دستور السباحة كدستور لنا  في الحياة. من اتبع حدسه ومَكَن معرفته والتزم بالقوانين نجا وفلح، ومن استسلم لمخاوفه ويأسه وأذعن لجهله هلك وضل، وإذا كانت خطواتنا نحو سلم التعلم مُكبلة بأغلال اليأس والخوف، فما عسانا نختار -يا صديقي- سوى الحرب؟ حرب يكون لسان حالنا فيها، هو لسان حال الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة حينما قال:

البحر موعدنا وشاطئنا العواصف.. لن يرحم الموج الجبان.. ولن ينال الأمن خائف.. فإن سدت جميع طرائق الدنيا أمامك.. فاقتحمها ولا تخف.. كي لا تموت وأنت واقف

اقرأ أيضًا: دروس عرفتها من تعلم الكروشيه
المقالة السابقةنفسي التائهة في سبع سنوات
المقالة القادمةبيت البنات
منى وهدان
كاتبة وصحفية مصرية

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا