تجربتي مع فيروس كورونا: عن الوهم الذي أصبح حقيقة

1272

بقلم: سارة عبد العليم

هل فيروس كورونا وهم أم حقيقة؟ هذا هو السؤال الذي طالما رددته بداخلي منذ ظهور هذا الفيروس الضئيل، وهلع العالم كله منه، وكم من وقت وقعت ضحية الإنكار لوجود هذا الفيروس من الأساس، رغم أعداد المصابين والنصائح والإجراءات الاحترازية هنا وهناك.

عندما اقترب الخطر

في شهر رمضان الماضي فقدت العائلة زوجة عم أمي بعد إصابتها بالكورونا، وقد دق ناقوس الخطر للتصديق، لكن لا لا هذا عمر وميعاد مكتوب ولكل أجلٍ كتاب. ألتزم بالإجراءات لفترة وأكسر القيود لفترات، وأردد: “اللي له نصيب في حاجة هيشوفها”. أرتدي الكمامة في الأماكن المزدحمة وأعقم كل ما تطاله يدي بالكحول، ومن يعرفني يعلم جيدًا أنني معتادة على استخدام مطهرات الأيدي من قبل ظهور الوباء، فلم يكن الأمر بالصعب ولا الجديد، لكن الكمامة لا زالت غير مستساغة بالنسبة لي. عقلي ما زال لا يستوعب ما يحدث في العالم أجمع، وتوقف المصالح وتعطل المطارات وغلق دور العبادة، وتفاصيل بديهية باتت ذكريات.

عندما أصبت بفيروس كورونا

حتى يوم الأحد ٢٠-١٢-٢٠٢٠، تاريخ مميز، أليس كذلك؟ أعاني من بعض أعراض البرد العادي والزكام منذ الثلاثاء وتزداد، وأنا على يقين أن صغيرتي نقلت لي العدوى أثناء رعايتي لها، حيث كان لديها نزلة برد وحساسية بالصدر، والأمر بسيط “كلها يومين وهبقى كويسة”. سأتناول دواء البرد العادي وكوبًا من الشاي، ثم يصبح كل شيء على ما يرام، حتى وصلنا ليوم الأحد وحين رششت عطري المفضل ولم أشمه، شعرت أن شيئًا ما يحدث، لكنني ما زلت أنكر وأتساءل: تُرى فسد العطر؟ ثم أذهب لأحمم طفلتي ولا أشم رائحة سائل الاستحمام الخاص بها، الذي أذوب من جمال رائحته.

ما الذي حدث؟ ما زالت أعراضي تبدو كدور برد عابر، لكن حاسة شمي القوية التي تميزت بها لم تعد هنا. ثم ذهبت إلى رف التوابل وبت أجرب أن أشم جميع البرطمانات بدون رائحة، ومع ذلك قلت “عادي، شوية زكام، أنا مسخنتش ولا تعبانة”، هكذا كان ردي على زوجي الذي كان حائرًا خائفًا من مجهول قادم لا يعلمه إلا الله، فهو لديه من القصص الكثير في دائرته ممن أُصابوا وشفيوا، وكان مهتمًا بتفاصيل الرحلة معهم، ويعلم جيدًا أن تلك هي البداية.

أصبح فيروس كورونا أمرًا واقعًا

لنذهب سريعًا إلى معمل التحاليل ونجري التحاليل التالية، وفي الصباح ظهرت النتائج، التي كانت بفضل الله جيدة، عدا تحليل واحد فقط، مرتفع بنسبة ليست بالكبيرة، لكنه مؤشر للكورونا. ذهبنا إلى الطبيب ليؤكد لنا الشكوك، أجل هي الكورونا، يكفي عرض فقدان الشم والتذوق، ونحمد الله أن الحالة مستقرة. الراحة والعزل مطلوبان مع الالتزام ببروتكول العلاج، وبدأت الرحلة رغمًا عني.

إذًا يوجد ما يسمى بفيروس كورونا ولم يعد فقط في شاشات الأخبار، بل أصبح الآن في منزلي، بل في جسمي نفسه، أنا معزولة في غرفة بمفردي بعيدًا عن زوجي وابنتي، ولا أزور أمي خوفًا عليها من العدوى، رغم أن أمي بنفسها جاءت لتزورني فور علمها بفقداني الشم والتذوق، فهي الأخرى لا تصدق حتى الآن، لكن هذا ما حدث فعلاً.

كنت قد بدأت العزل بالفعل منذ اليوم الأول لفقدان حاستي الشم والتذوق، والليلة الأولى كانت هي الأصعب، فأنا الأخرى أحارب المجهول، أنا فعلاً لا أعلم أتلك هي البداية أم النهاية! هل سترتفع حرارتي؟ هل ستحدث اضطرابات لجهازي الهضمي؟ هل سيتكسر جسمي كما سمعت؟هل وهل وهل وألف هل…

من أجل طفلتي قاومت

أريد أن أبعد ابنتي عني، فهي صغيرة لا تتحمل هذه الأعراض إن طالتها، بعد الشر. تبكي الصغيرة تريد حضني وبكاؤها يوجع قلبي، لأبكي أنا أيضًا بجوارها، تصرخ فقط من أجل البقاء بجانبي، وهذه هي اللحظة التي قررت فيها أنني سأقاوم ولن أستسلم، ولن تتدهور حالتي، فصغيرتي تريدني.

أنا أعلم جيدًا أنني مهمة عند بعض الأشخاص الآخرين، لكن لن تتوقف حياتهم دون حضني كما رأيت توقف الحياة في عيني طفلتي، التي تريد أن تنام فقط بالقرب مني، رغم أنها اعتادت النوم وحدها. لكن تلك الليلة أصرت على البقاء بجانبي، وكانت تربيتها على جسدي يهدئ قلبي ويقويني، فمن أجلها نهضت واستجمعت قوتي وتضرعت لله بألا تسوء حالتي، فقط من أجلها، وقد سمع الله من أجلها، والحمد لله مرت التجربة بسلام.. دواء ثقيل يجعلني أنام مزيدًا من الوقت وأشعر بالخمول، كحة وضيق بالصدر مع صداع خفيف مستمر، فقدان شهية بسبب فقدان التذوق والشم، بدءا في العودة تدريجيًا بعد اليوم الرابع من العلاج.

الدعم والسند

أعلم أن تجربتي بسيطة -الحمد لله- بجانب تجارب أخرى سمعتها ضمن مكالمات المؤازرة والتشجيع وبث الأمل في الشفاء، وقد كانت بالفعل الكلمات والمكالمات الهاتفية الداعمة لها تأثير ساحر، ربما يفوق تأثير العقاقير الطبية. أكلات الأمهات الساخنة المطهوة بحب من أمي وأم زوجي، التي انهالت علينا لتكفينا لأسبوع أو أكثر، منحتني مزيدًا من الحب ومن الرغبة في الشفاء. رسائل الأصدقاء ودعم مديرين العمل أمدتني بمزيد من الطاقة لأكمل مهام يومي.

أخيرًا مساعدة زوجي وتحمله مهام البيت، التي أعلم جيدًا مدى كرهه لها، وطبق السلطة المُعد بحب، وطبخة الفاصوليا التي حاول جاهدًا أن يضع فيها كل خبراته، كانت الألذ رغم عدم تذوقي لها.

أيقنت الآن وجود الكورونا وانتشارها كالنار في الهشيم، وآمنت بوجودها، واختبرت التجربة على صعوبتها، لكني أريد أن أشكرها، لأنها جعلتي أستقبل كل هذا الفيض من الحب والاهتمام. كما أعطتتني العزلة عن العالم لمدة، وكأنما هي فترة توقف لأخذ قسط من الراحة من كل ما يدور في الحياة، أنا فقط في غرفتي وبالكاد أتحرك في بيتي، ومعي كتبي تؤنسني في سهراتي الطويلة بعد نوم صغيرتي.

أحمد الله على التجربة التي كنت أستشعر فيها كل لحظة معنى “قدر ولطف”، فالحمد لله الذي قدر ولطف.

المقالة السابقةعندما يكون الصمت من ذهب
المقالة القادمةإنجازات حققناها جميعًا: محاولات الصمود في 2020
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا