هل جلست مع نفسك في أواخر عام ٢٠٢٠ لمراجعة ٣٦٥ يومًا قد انقضت من عمرك؟ هل أمسكت قلمًا وورقة وأخذت تعدد ما حققته من إنجازات وما أخفقت في تحقيقه؟ كم كتابًا قرأت؟ وكم دورة تدريبية اجتزت؟ أخبرني كيف استثمرت فترة الحجر الصحي منذ بدايتها إلى الآن؟ ماذا عن أمنيات العام الجديد وقائمة الإنجازات والأماكن التي تود زيارتها والمهام التي تود إنهاءها؟
لا أنتظر إجابات إيجابية عن كل ما سبق، لا أشعرك بالتقصير إن لم تفعل أيًّا مما سبق. ولا لأتقمص دور مدربي التنمية البشرية مرددة عبارات تحفيزية عن الإنجاز والتحدي وقت الصعاب. لا أطالبك أن تنهض فورًا وتبدأ في إعداد قوائم محاسبة للذات عن عام مضى، أو تملأ قوائم الاستعداد لعام جديد هلّ علينا. لكني في الوقت نفسه لست شخصية عدمية تطالبك بالاستسلام بعد أن تلقننا جميعًا في العام المنصرم درسًا من كورونا، مفاده أن كل خططنا قد تذهب هباءً أمام ترتيبات قدرية لم نكن حتى لنتصورها في أسوأ كوابيسنا.
دعك من الإنجازات الرقمية واحتفل ببسالة الصمود
أنا هنا يا صديقي -إن سمحت لي بأن نكون أصدقاء لبضع دقائق- لأخبرك أنني مثلك تمامًا. ما زلت أحاول التقاط أنفاسي من عام مربك وقاسٍ. لكن إن كنت مثلي قد تصورت لوهلة أنك لم تحرز أي انتصارات خلال العام الماضي، فدعني أخبرك بضرورة تجاهل التنقيب عن إنجازات رقمية بأعداد الكتب والدورات والمهام المُنجزَة، وغيرها من تلك الصياغات العددية المستهلكة. تجاوز الأرقام إلى تلك الانتصارات الهادئة التي ليس بإمكان أحد رؤيتك وأنت تحرزها. دعنا نتحدث معًا عن معاركنا الصامتة التي خضناها ببسالة للمقاومة والصمود في ظل تغيرات مربكة. دعنا نسترسل في حكي محاولات استعادة التوازن والاستمرار تحت وطأة ضغط نفسي شديد، نجونا إلى حد مذهل من أن يحيطنا بقبضته.
ودعنا نستعرض معًا قائمة من الإنجازات التي لا يتم عقد تكريمات لها. لا شهادات تقدير لإنجازها، لا صيحات إعجاب بها، لأنها إنجازات معنوية تحرزها في معارك صامتة لا يشهدها غيرك. واليوم أسردها كنوع من الاحتفاء بنفسي على اجتياز عام عصيب.
إنجازات 2020
١. سامح نفسك
مررنا جميعًا بعام ضاغط على الأعصاب لدرجة هائلة. فجأة تغير شكل الحياة من حولنا، وأصبحنا مطالبين بسرعة التكيّف مع معطيات جديدة. وفي وسط تعقُّد وتشابك الأحداث تجد نفسك مطالبًا بالاستمرار في روتين حياتك، وكأن شيئًا لم يكن. أخبرني بربك هل عدم التأثر التام بأي تغيير مربك يُحيطك، يعد دلالة على قوتك أو اتزانك؟ لا أظن. وأعتقد الإجابة الأقرب للمنطق أن عدم التفاعل مع الأحداث المحيطة دلالة على البلادة وفقدان الإحساس. وإشارة لفقدان استجابتك الطبيعية لما يدور حولك.
“اختلال التوازن أحيانًا هو جزء من عيش حياة متوازنة”
تقول إليزابيت جيلبرت في كتابها ذائع الصيت “طعام.. صلاة.. حب“: “اختلال التوازن أحيانًا هو جزء من عيش حياة متوازنة” . لذا ففي الأحداث الحياتية الكبرى فقدان الاتزان دلالة على الاتزان، وعلى التعاطي مع الحدث بشكل سليم. أن تكون في غير طبيعتك أحيانًا، هي الدلالة على أنك شخص طبيعي يتأثر بما يحيطه. لذا ينبغي أن يدرك المرء أنه لا بأس أحيانًا بعدم القدرة على إنجاز المهام المطلوبة، لأن طاقته لا تسمح. لا بأس ببعض الارتباك وفقدان السيطرة على الشكل المعتاد لسير اليوم. لن يضر بعض التأجيل للمهام غير العاجلة. لا داعي لجلد الذات على تخريب نظامك الغذائي وأنت تحت ضغط. لا ضير من أن تسمح لنفسك بأن تمارس إنسانيتك بارتباكها وتخبطها. يكفيك فقط ألا تنصاع بشكل تام لرغبتك في عدم الفعل. الوسطية مطلوبة هنا، فلا تقسو على نفسك، لكن عليك أيضًا تهذيبها وترويضها.
2. إدارة القلق
في 2020 كان الصديق الأوفى الملازم على الدوام هو القلق. ذلك الشعور المُنغِّص الذي ينتزع من قلبك السلام والسكينة. وأظن لا أحد قد نجا من تلك الصداقة الإجبارية. فإما أن تكون قلقًا من شكل الغد، الذي بات في لحظة مبهمًا للغاية، في غياب أي مؤشرات قد تفيدك في التخطيط له أو التنبؤ بالصورة التي يمكن أن يكون عليها. وإما أن تكون قلقًا من مصير مشاريع شخصية أو عملية توقفت في لحظة. أو قلقًا من احتمالية تسلل ذلك الفيروس التاجي اللعين لجسدك أو لجسد أي من أهلك أو أحبابك.
وإما أن تصارع القلق إن تحولت الاحتمالية لحقيقة واقعة وقدَّر الله لك أو لأحد أحبابك الإصابة بالفعل. ناهيك بكل تلك الحسابات العقلية التي أصبحت تجريها في عقلك للقيام بأبسط التصرفات اليومية. فإن تحتم عليك الخروج من منزلك فثمة قائمة طويلة من الإجراءات الاحترازية عليك اتباعها، ثم قائمة مماثلة عند عودتك. لم تعد جلسات الأهل والأحباب مصدرًا للراحة وسكون النفس، بل باتت مصدرًا خصبًا لتوليد القلق برأسك، خشية أن يصيبهم أذى بسبب تلك الأوقات التي تقضونها معًا.
صار القلق شبحًا خفيًا ملازمًا للجميع أينما حلوا. وصارت جملة “لا تقلق” فاقدة تمامًا لمصداقيتها. كيف لك ألا تقلق من شبح يرفض مغادرتك؟! لذا فإن كنت صمدت في مواجهة مخاوفك المقلقة التي نهشت رأسك على مدار العام، فهنيئًا لك بانتصار مدوٍّ.
3. التسليم بلطف الله
إن كان لا مفر من مواجهة القلق، فقد يساعد أحيانًا ترويض ذلك الشبح بإدارة القلق. وفي علم الإدارة قد يتحتم عليك أحيانًا ألا تظل في حالة حرب دائمة، وأن تهدأ في مواجهة الخسارات، لتتمكن من التفكير العقلاني وترتيب أوراقك دون هلع. لذا فكل تلك الأوقات التي تستكين فيها لإرادة الله تنتصر فيها على شبح القلق. كل تلك المرات التي تخبر فيها نفسك بأن الهلع غير مُجدٍ لأنه لا مفر من قدر الله تسدد لذلك الوحش ضربة تخور بها قواه. كل تلك الأصوات القلقة برأسك التي يسكتها يقينك بلطف الله الذي سيحيطك في أحلك الأوقات تكون قادرة على طمأنتك.
4. التأقلم مع التغييرات
ربما ببعض المراجعة المتفحصة لاستجابتك لأحداث 2020، ستجد أنك استطعت في النهاية التأقلم مع التغييرات المحيطة. صحيح قد يكون تأقلمًا غير تام إلى الآن، لكنك صرت تتقبل الأخبار القاسية بهدوء أكبر. ربما قد نختلف في تسكين هذا الإنجاز في خانة ملائمة. وقد يراه البعض انتصارًا حزينًا، لكنك قطعًا لم تعد نفس الشخص الذي ينخلع قلبه بسهولة على أي خبر. أكاد أجزم أن قدميك صارتا أكثر ثباتًا على الأرض، وباتت روحك أكثر صلابة في التعاطي مع مناورات الحياة عمومًا.
5. تغيير قائمة الأولويات
ببعض التدقيق ستجد أنك صرت تُجري -دون وعي- تفنيد ومراجعة وإعادة ترتيب لقائمة أولوياتك الحياتية. فهذه مهام أدركت أنه ينبغي إنجازها دون تأجيل أو تفريط لأنها تعود عليك بالنفع دومًا. وهذه التزامات كنت تثقل بها روحك ولا داعي لمزيد من الالتزام بها. وتلك مشتروات يمكن استبدالها بأخرى لتوفير بعض النقود. أما هذا الوقت فالأسرة أولى به. هنا بعض العادات الغذائية التي ينبغي التخلص منها بعد إدراك أن ضريبة إهمال الصحة تُسدد فجأة. وهناك بعض الأطعمة والمشروبات التي ينبغي الحرص على تحويلها لروتين حياتي. أيًا كان ما أضفته أو حذفته من قائمة أولوياتك. لكنها قطعًا اختلفت عما كانت عليه قبل عام واحد سابق.
6. تحمل مسؤولية الالتزامات العائلية والعملية
من الإنجازات غير المرئية والتي ينبغي على المرء إضافتها لقائمته الشخصية عن عام 2020، هي قدرته على الاستمرار فحسب. البطولة أحيانًا تكمن في مجرد المحاولة، بغض النظر عن النتائج. الاستيقاظ كل يوم وتنحية كل ما يثقل الروح جانبًا، والاستمرار في أداء المهام المطلوبة، نضج. خلع الهموم وارتداء الملابس والذهاب للعمل ومواجهة الناس بوجه غير عبوس، بطولة. تسديد احتياجات كل أفراد العائلة والالتزام بكل المسؤوليات تجاه المحيطين، رغم نفاد الطاقة وشحوب الروح، ملحمة بطولية.
ماذا عن قائمة إنجازاتك الشخصية؟ ألم يحن وقت احتفائك بنفسك؟
أنا لم أقرأ ٥٠ كتابًا في 2020، لكنني نجحت إلى حد ما في قراءة نفسي بصورة أوضح. لم أجتز دورات تدريبية لتصبح دليلاً على إدارة وقتي بنجاح وقت الحجر، لكنني اجتزت أوقاتًا صعبة بطريقة يمكنني أن أقدمها في دورة تدريبية.
أنا هنا لأخبرك أننا أنجزنا الكثير بالصمود والمقاومة والاستمرار، فإياك أن تقسو على نفسك أو تسدد لها نظرة دونية لأنك لم تخرج من 2020 بسجل حافل من الإنجازات الملموسة التي يشير لها الآخرون بفخر وإعجاب. إنجازاتنا قد تكون غير ملموسة أحيانًا.. غير مرئية.. غير مثيرة للإعجاب. لكننا اجتزنا مشقة السير في طرقها الوعرة.
أخبرني إذًا، ماذا عن قائمة إنجازاتك في العام الماضي؟ تنفس فقط وركز لدقائق واسرد كل بطولات الاستمرار في عام قاسٍ، وأعرف مسبقًا أن قائمتك ملهمة للغاية. وأنك تستحق الاحتفاء بنفسك.