بقلم: آن سامي
حاجة من الحاجات اللي شدتني قوي السنة دي –بما إني قضيت معظمها في البيت– هو ما يسمى بالمينيماليزم. اللي فهمته يعني إن الواحد يعيش ببساطة ويستغنى عن كل حاجة عاملة زحمة في حياته بالفاضي، لأن الزحمة والدواليب المكربسة بتتعبنا وبتصعب علينا دنيتنا، بشكل إحنا مش حاسينه، ده غير هوس الشراء والتكويم بدون تفكير.
بداية التخفف والتخلي
معرفش كام مرة، بس حصل كتير إني بالليل كده بعد ما أخيرًا كل واحد يروح لسريره وأفضى لأفكاري المهلهلة قبيل النوم، أقعد أسرح بخيالي في البيت وعيني تلمع، لما أفكر في أوضة من الأوض أو دولاب معين، تاني يوم أصحى بكل همة ونشاط وأجيب كيس كبير وأهجم على الدولاب المنشود، وأرمي كل الحاجات اللي أنا عارفة إن أنا مش هستخدمها، لأنها ببساطة عندي بقالها سنين ومهوبتش ناحيتها.
ياه على إحساس الخفة والراحة والنضافة! حتى كمان لما الدنيا بتتكركب بلاقيني عارفة ألملمها بسرعة، وهكذا في تطليع الهدوم الشتوي مثلاً. حطيت على جنب كم لا بأس به من اللبس اللي أنا فعلاً مبحبوش أو مبيريحنيش أو خلاص جايبة شبهه جديد، الدولاب اتنفس والاختيارات اللي فيه بقت محببة لقلبي، فبقيت مش بتضغط قوي وأنا جاية ألبس.
مينيماليزم خارج الدولاب
وفي نهاية سنة كانت من أتقل سنين العمر، حسيت إني محتاجة أعمل كده برضو، أمسك بدل الكيس ورقة وقلم، وأشوف أنا إيه اللي محتاجة أكمل بيه عمري، وإيه اللي لازم أستغنى عنه. الحقيقة الموجعة إننا بني آدمين مش دواليب أو أجهزة ينفع نشيل ونحط فيها بسهولة. عشان نتعلم حاجة محتاجين مواويل عشان العادة اللي عاوزين نتعلمها تلزق. ولو عاوزين نمحي ذكرى ولا علاقة ولا عادة فده محتاج صولات وجولات، إن محتاجش العمر كله.
مش هضحك عليكم بكلمتين يحسسوكم إن الدنيا جميلة وتحت السيطرة، ولا هطبطب على مشاعركم بكام جملة تفش الوجع، خلونا نحترم إننا بنى آدمين لينا عقل وعواطف، ونفسياتنا لافة وعميقة، والتعامل معاها محتاج جرأة وحرص.
حياة أفضل.. أبسط
سامعاكي يا اللي بتقولي أيوة يعني نعمل تنضيف جواني إزاي؟ في مكان هادي تعرفي تستفردي فيه مع نفسك ومع أفكارك، اسرحي في إيه عادات لما جربتيها لقيتي إنها لايقة عليكي ومحتاجة تهتمي بيها، وطلعي ورقة وقلم واكتبي: فرق معايا مثلاً إني لما أصحى ممسكش الموبايل على طول. فرق معايا شرب المية، فرق معايا إني أسأل على عدد معين من الناس كل أسبوع.. وهكذا اكتبي كل اللي حسيتي إنك لما جربتيه السنة دي كان حلو فعلاً وسهل عليكي تكملي فيه لو ركزتي. هتاخدي بقى القايمة دي وتدرجيها من ضمن أهداف السنة العامة و to do list اليومية بتاعة السنة الجاية.
ننقل على الخطوة اللي بعدها: اكتبي كل الحاجات اللي كنتي بتعمليها وحسيتي إنها كانت بتبوظلك الدنيا: القعدة على النت الكتير، علاقة مرهقة، النرفزة والعصبية مع العيال، القلق الزيادة، وهكذا.. أي حاجة كنتي بتعمليها إنتي وكانت بتنغص عليكي عيشتك وتبوظ أيامك. تمام كده؟
هنعمل بيها إيه بقى القايمة السوداء دي؟ هينفع نحطها في كيس ونرميها؟ هينفع نقطع الورقة ونحرقها وناخد نفس إن من هنا ورايح هبطل السجاير وأكون إنسان جديد؟ طب والعلاقات المرهقة وما أدراكم بالعلاقات المرهقة! هل ينفع تنتهي ببلوك بلوكبلوك؟ يا ريت! بأمانة كانت الدنيا تبقى سهلة يا عزيزي! كل الكلام ده مش منطقي. أومال نعمل إيه؟
نمسكهم واحدة واحدة ونبتدي نفصص إيه أساس المشكلة دي، عارفين؟ حتى لو المشكلة باين إن السبب فيها حد تاني ففيه مقولة مشهورة لأحد علماء النفس بتقول إن لو اتسلب مني كل حاجة فما زال عندي حرية رد الفعل. طبعًا ممكن قوي تحصل حاجة أنا بسميها صدمة ما بعد التفصيص، ودي فيها بكتشف إن أنا ممكن أكون بساهم في المشكلة اللي كنت فاكرة إن غيري هو السبب فيها.. بتحصل صدقيني.
ممكن في رحلة التدوير دي نستعين بصديق، بكتاب بيحكي في الأمر ده، ممكن نروح لأخصائي نفسي لو لزم الأمر. الدنيا دلوقتي مفتوحة وحاجات كتير موجودة أونلاين، فيديوهات، مقالات، كتب، حتى الجلسات النفسية.
هنا أنا بعمل إيه؟
بقف لنفسي وقفة اهتمام وتركيز، تنضيف وترتيب، كأني بقولها تعالي هنا أما أقولك، أنا بحبك وعاملة على مصلحتك، تعالي نشوف إيه اللي ممكن نعمله عشان تبقي أحسن وأهدأ. سياسة دفن الراس في الطين مبتأكلش عيش، وإحنا عاوزين نكون، نعيش، نأثر، ننجز، ونستمتع. وعمر ده ما هيحصل إلا إذا فتحنا دواليب نفوسنا المكركبة وابتدينا نأنتك وننظم ونحط كل حاجة بعنوانها الصحيح، ونتخلص صح من الحاجات المدفونة اللي عاملة قلبان من غير ما ندري.
رحلة التدوير دي مش بتخلص في يوم زي جرد الدواليب، ممكن تاخد سنين، لكن اللي جرب النضافة مبيقدرش يرجع للبهدلة، حتى ولو كانت التنضيف فيه قطمة ضهر ووجع وتعب.
في آخر كلامي أحب أشجعك تاخدي خطوة، بس قبلها ادعي بقلب صادق إن ربنا يفتحلك السكة وينورلك الطريق. معرفش إيه اللي هيحصل في 2021، وللأمانة بقى خلاص أقصى أمنياتي إن اليوم يعدي بسلام، فمش هتمنالك حاجة للسنة الجديدة في آخر المقال، لكن هتمنالك حاجة بتاعة اليوم وكل يوم: بتمنالك طاقة لسكة المعافرة وسط كراكيبك، طاقة عشان تكوني ويبان أخيرًا جمالك الحقيقي.
رتئع يا آن
كلمات بسيطة وفيها أفكار قابلة التنفيذ
شكرا ان سامي