أزمة منتصف العمر

1226

بقلم: روهندا مجدي عوض

ها أنت على مشارف عقدك الرابع، لم تعد ذلك الطفل الذي يُدلله الجميع، ولا ذاك المُراهق الذي يُعنفه أبواه لكبح جماح عنفوان شبابه وطيشه، لقد أصبح عمرك تقريبًا نصف عمر والديك، تبدلت جميع الأدوار، فاليوم تستند أمك على كتفك، ويتعكز والدك على ساعديك.

أزمة منتصف العمر

أنهيت دراستك الجامعية ولا زالت الشكوك تدور في رأسك.. “أكان هذا الطريق ملائمًا لي، أم أنني ضللت الطريق؟ يجول برأسك عشرات الفكر كل يوم بأنك لا تنتمي إلى هذا المجال مطلقًا، تُلقي اللوم على نفسك تارة وعلى من حولك تارة أخرى، حتى إذا أقتنعت أن هذا المجال هو أرضك وقدرك، يأتى مجتمعك ليعرقل خطواتك، وترى البعض يتبارى في خفض معنوياتك والتقليل من شأنك، والبعض الآخر يرى فيك آماله وأحلامه التي فشل في تحقيقها، يُزايد عليك من يسبقك عمرًا وخبرة، ويرى فيك الصغير قدوة حسنة يُحتذى بها. أما عنك فمضطرب الذهن، في صراع دائم بين الرغبة في إثبات نجاحك انتصارًا على من أحبطوك وبين الإستسلام يأسًا وإرهاقًا مما تمر به وتعانيه وحدك.

حتى جانبك الإجتماعي لم ينصفك، فقصة غرامك الأولى لم تكتمل، وحبيبتك الثانية لم تلق بالًا بجهدك، أصبحت تخشى الاقتراب من هذا الجانب، تخشى الفقد بعد التعلق والشوق بعد الفراق.

في هذا العمر ربما يخذلك أصدقاؤك، وينفلت من العقد واحدًا تلو الآخر، وقتها ستدرك الفارق صحبة الخير وبين العلاقات السامة التي تستنفد طاقتك وروحك، ستدرك الفارق بين رفيق الدرب وخليل الروح، ومن استباح حزنك وألمك. ربما تعود إلى قديمك حيث العلاقات البعيدة عن الاستغلال والمصالح، سيشد الله عضدك بأخيك لئلا تبتئس، ليرسخ الله في ذهنك أن رابطة الدم وصلة الأرحام وإن ضعفت في بعض الأحيان تبقى الأولى والأحق.

في هذا العمر أنتِ لست الطفلة المدللة صاحبة الغرة الناعمة، ولا تلك الفتاة الخجولة، بل تلك المرأة التي تسعى لتحقيق ذاتها وإثبات جدارتها، كامرأة عاملة وزوجة صالحة وأم فاضلة، لقد أرغمها المجتمع، على مضاعفة الجهد والسعي كالرجال ثم العودة في آخر اليوم إلى منزلها لتواصل مهامها في رعاية أسرتها.

على الجانب الآخر تلك العذراء التي تبرر عدم خطبتها إلى الآن لمن أعطى لنفسه الحق في سؤالها عن ذلك الأمر، البعض يستنكر سعيها الدائم وراء حياتها المهنية فقط، دون الالتفات إلى ذلك الأمر، ويخبرها بأن الزواج هو سنة الحياة، والبعض الآخر يسأل عمن تنتظره، وهناك من يتهمها بجحود النعمه لرفضها المتكرر، وبين كل هؤلاء لم يسأل أحد عما مرت به من قبل ودفعها إلى ذلك التأني في اختياراتها، وعن قلقها من الإقدام على تلك الخطوة، وعن خوفها من الإخفاقات المتكررة لأقرانها، ولو اكتفى كل هؤلاء بالتركيز والتمحيص في حياتهم فقط لكان خيرًا لهم.

كيف نتعامل مع أزمة منتصف العمر

هذا العمر أخذنا على محمل الجد، ونحن لم ندرك حجم المسؤولية بعد، يُرغمنا على مواصلة السير، واتخاذ كل القرارات وتحمل نتائجها، هذا العمر لا يُشفق عليك أبدًا في لحظات ضعفك ويأسك، بل يُرهقك طيلة اليوم، ثم يُسلمك إلى ليل حزين وأرق دائم وقلب يتسلله الخوف والقلق، هذا العمر لا يُمهلك بعض الوقت حتى يهدأ بالك وتطيب نفسك، بل يسلب روحك رويدًا رويدًا.

أمام الجميع أنت شاب لا يزال في ربيع العمر، ولكنك لم تشهد سوى خريفه، هذا العمر يعطيك من الفرح لحظات وساعات، ومن الحزن أياما وسنوات.

يا بني في هذا العمر ستقيدك المسؤولية من كل الاتجاهات، فأنت الابن البار والأخ المسؤول والطموح الذي يسعى لإثبات كفاءته في عمله، وشريك الحياة الذي يوازن بين كل تلك الجوانب، لإنصاف الطرف الآخر. ولكنك لا تمر بذلك وحدك بل يشاركك فيه أبناء جيلك، سيمر كل منكم بتلك المراحل، إلا أن الاختلاف سيكون في تقبُل تلك المسؤوليات. عليك أن تتقبلها برضا وثبات وثقه بأن الله لن يخذلك أبدًا، وتذكر أنك تؤجر على كل خطوة، وكل محاولة، على كل لحظة سعي، على كل كلمة صدق. وكل لحظة ضعف وألم.

تذكر أن الله لن يكلف نفسك إلا وسعها، وإنه يريد بك خيرًا، لا يريد شقاءك أو حزنك، لن يحل البلاء بك إلا ويعقبه خير وفرج، لن يرى الله عبراتك وضيق صدرك وغمك إلا ويبدله طمأنينة وسكينة. سل الله أن يشرح صدرك، ويبارك في عمرك وخطواتك، وألا يريك بأسا فيمن تحب، وأن يسخر لك الطيبين من خلقه. وكلما أخذتك الحياة بصخبها وضيقها تذكر أنها سنوات معدودات، فأنت تعلم جيدًا أن الدنيا ليست مستقرك الأخير، فلا تعطِها أكثر من قدرها. رفقًا بنفسك وروحك، فكلما أعطيت الدنيا أكثر مما تستحق، أرهقتك وضاقت عليك أرضها.

المقالة السابقةكيف أجعل نفسي جميلة: جمال الروح والشكل في 4 خطوات
المقالة القادمةالثقة بالنفس: كيف تكونت تصوراتنا عن أجسادنا؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا