أنا فتاة في الثلاثين عزباء

2034

بقلم: نورهان إسماعيل

أنا هي، تلك التي قرر والدي منذ ولادتي أن بناته يجب أن تكن مختلفات، متفتحات ولكن بحذر، ذكيات لكن ليس بالحفظ، متدينات ولكن لدينا من الحرية متسعًا، يكبر ويصغر حسب رؤيتنا التي ربانا عليها. أما أمي فأرادتنا امتدادًا لها، نفعل ما لم تفعله، نكون شخصيات ذات كيان مستقل، ولكن ألا نطمح بالخروج عن مخططها لنا. وإذ فجأة تمر الأيام وتدرك أنها مخطئة! نعم، أنا أخطأت حين فعلت ذلك، فلو بناتي أصبحن من ذوات الثلاثينيات دون زواج فتلك غلطتي.

لم أصدق رد فعلها، ولا رد فعل أبي حينما أدرك أننا فتحنا أبواب الثلاثينيات ناجحات مهنيًا، فاشلات عاطفيًا. أو إذ ربما هذا الأخير هو وصفي لما صنفت نفسي به مؤخرًا. ومن هنا بدأ الصراع الأزلي.. هل أخطأ والدي في تربيتنا؟

حتمًا لا، ومائة ألف لا، فهو بنى شخصيات يعتمد عليها في شتى المجالات، ذوات رأي، وبالقطع مختلفات. إذًا ما العلة؟ هي ببساطة تلك الهالة التي أحاطنا بها هو وأمي، هالة النجاح، هالة أننا مثاليات. لم يكن خطأ، ولكن بالقطع ربيا شخصيات تخيف من حولهن، لاستقلالهن، لانفتاح عقولهن، لنجاحهن الذي أصبح يُشكِّل عبئًا على من يحلم بالتقرب.

من مصائب تلك المرحلة هي أننا بدأنا ندرك متى لا يستطيع شاب التقرب، مبررًا بالخوف من الارتباط، أو اختلاف وجهات النظر، أو حتى حبه لفكرة العزوبية حيث الزواج منظومة فاشلة. إذًا فهو لا زال أعزب، قد يفعل ما يحلو له أو لا، في ظل غياب كامل لإدارك أن هنا يقبع الاختلاف الحقيقي، فنحن البنات محصورات في هذه الدائرة، نُلام إن تجاوزناها، بينما حدِّث ولا حرج على هؤلاء ممن يستمتعون بعزوبيتهم الفاحشة.

ازدواجية معايير هذا المجتمع طالما جعلت من رجال أشداء فاقدين لعقولهم لفكرة عدم سير الأمور بالمنطق، فما يصنفونه بديهيات، هو بالنسبة إلى البعض أمور غريبة. فالعيب على شاب جعل رجلاً يشك في تربيته لبنته، لتكون تلك الناجحة والمستقلة، لمجرد أن هذا الشاب لم يكن على القدر الكافي من الشجاعة الأدبية للاعتراف بأنه هو من اختار حياة غير حياة والديه، معلنًا الاستقلال التام، وتغيير الفكر المتقلب للشباب، وإعلان حالة الحرب على فكرة الزواج.

طالما كان عائق الشقة هو المبرر، هو الشماعة للهروب، وحتى إن أُتيحت فرص للهروب منه بالتوافق، وجد مبررًا آخر، وهو اختلاف الرأي، أو بالقطع عدم رغبته في الاستمرار لخوفه من الارتباط.

من يخاف من الارتباط حقيقي في مجتمعنا هذا يجب أن تكون البنات وليس الشباب، فهن سيتركن حماية ودلعًا أزليًا إلى مهزلة مشاركة شاب فاقد لثقته في نفسه، وفي قدرته على الالتزام، مبررًا أسبابًا لا تليق بالمجتمع، وكأنما هو الثوري ذو الرأي السديد.

اقرأ أيضًا: اعترافات خفيفة تليق بعامي الثلاثين

مشكلة عزوبية بنات الثلاثينيات في عهدنا هذا تتلخص في جملة واحدة “إنتي أقوى منه في معرفتك ماذا تريدين، فلا تتردي لحظة في رغبتك”، فالبنات يردن الارتباط بشاب تحول رجلاً، دخل الثلاثينيات هاربًا من تردد العشرينيات، تتوقع منه تفهمه لمجتمعه، ولكيفية شعوره بأنه قد وصل في عمله بمكان ليس بالقليل، فهو صاحب الخبرة، بحكم -على الأقل- أقدميته.

للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لتصطدم بواقع أليم، إن هذا التوقع خاطئ، ففي الثلاثينيات يدرك الشاب كارثته إن لم يكن مرتبطًا بعد، فهو من فشل في إيجاد الحبيبة، أُم الاطفال، شريكة العمر، وأدرك تأخره لأنه ظل متحججًا بخوفه، وله الاختيار إما الوقوع في مصيدة العند والثبات على موقفه، وإما اعترافه بفشله، فيلجأ لمن تفهم ما يريد حقيقة، ألا وهي أمه التي ستختار له المناسِبة وفقًا لمعرفتها به وبها. إذ ربما يوجد خيار ثالث، ألا وهو اعترافه لنفسه بأنه ليس فاشلاً هو الآخر، ولكن كل ذلك كان حتمًا قسمته ونصيبه.

أنا ثلاثينية عزباء، أدركت أن العيب ليس في تربيتي، شكلي، نجاحي، عصبيتي، بل في أن مجتمعنا قاسٍ علينا الفتيات، ليذكرنا دائمًا بعنوستنا. أما الشباب، فلا تذكير لفكرة الفشل، ولا حتى العتاب على التأخير، بل هي بطولة، في أن يتزوج من لا يعرفها أو تصغره بأعوام حتى يكون لديهما فرصة جيدة للإنجاب. هكذا تفكرن ذوات جنسنا المصون، من أمهات لم يردن الاعتراف بأن هي من دللت محبوبها الغالي، ولا تلومن أنفسهن كما لامت أم البنت نفسها.

اقرأ أيضًا: اعترافات خفيفة تليق بعامي الثلاثين
المقالة السابقةفي عيد زواجي أجمل اغاني لعيد زواجي، افكار لعيد زواجي
المقالة القادمةالكاتبات والوحدة 3: نوال السعداوي: العزلة ضريبة التمرد
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا