في عيد زواجي أجمل اغاني لعيد زواجي، افكار لعيد زواجي

2313

يبدأ الأسبوع بذكرى غالية، وهي عيد زواجنا الثامن. ويبدأ يومنا المميز، بعد أن ذهبت ابنتنا إلى المدرسة، بشجار حول مسؤولياتنا تجاه مؤسسة الزواج في مقابل الوقت الخاص بكلٍ منا. احتدم الحوار وعلا صوتي وأنا أحاول أن أعبِّر عن حاجتي الماسّة هذه الأيام للهروب أو للاختفاء أو لبعض المساحة الشخصية، مع العلم أنها طالما كانت ولا تزال متاحة لي وقتما احتجتها. أيقنت حينها وأنا أسمعني أنني لم أعد نفس الشخص الذي كنته يومَ ارتديتُ الفستان الأبيض والتاج المُرَصَّع والطرحة الرقيقة التي خطفت أنظار الكثيرين.

كان يوم جمعة خريفي لطيف مليء بأمنيات السعادة وزغاريد الاحتفال، ومع كونه مرهقًا جسديًا وضاغطًا نفسيًا فإنه يومٌ أضحكني وراقصني وأمتعني بليلة العمر. يوم تدشين بيتي ومملكتي حيث أخلق روتيني وتفاصيلي كما يخلق صانع تحف قطعته الفنية الخاصة. بيتي حيث الحب والعطاء والوَنَس وتخطي الصعاب كفريق، فلم يعد هناك مكان لعزلتي المستمرة ولا لشعور الوحدة اليومي القاتل. بيتي حيث ضحكات الأصدقاء المدوية وأحاديث عميقة تدفئ القلوب في الليالي الشتوية القارصة. بيتي والوصول لأصعب توافق بين احتياجي الرومانسي الأنثوي الخام وتحقيق ذاتي المستقلة والتمسك بآرائي النسوية. بيتي حيث أنا وشريكي نستطيع أن نقهر العالم كله إن وقف يومًا في طريق حلمنا.

حلمنا في خلق بيت من لحم ودم يرحب بالجميع ويقبل الكل، بيت له بُعد روحاني وليس مجرد جدران تضم عائلة جديدة تنمو وتنتج هي الأخرى أطفالاً يكبرون، ثم يتزوجون بين جدران جديدة ويبدؤون من جديد، وهلم جَرًّا. الحلم هو كسر أفكار بائدة وميلاد جديد لكيان أكثر اتساقًا مع نفسه، كيان أفضل تناولاً لتحديات الحياة اليومية وكوارث الحياة المفاجئة. حلمنا أن نكون مساحة أمان لأطفال، نحن اخترنا بإرادتنا وجودهم في هذه الدنيا. حلمنا هو خلق حياة أفضل لنا ولأطفالنا.

مرّتَ السنين ولم أعُد بنفس القدرات النفسية، بل تنوعت الضغوط وتفاوتت عما توقعت، ومعها تغيرت قدرتي على الاحتمال. ترنحت طاقتي الجسمانية أو تضاءلت، لست متأكدة أيهما أكثر دقة. أما عن سذاجتي الروحية فكان لها نصيب الأسد من الزلازل الفكرية والتغييرات الجذرية. وحين أعود لنظرتي الحالمة عن الحياة أجدها لا تقوى على مواجهتي بجرأة كما اعتادت سابقًا. حتى مظهري الخارجي لم يخلَ من العوامل المُغيِّرة التي أدت لإصابتي بإحباطات متتالية.

إلى نصفي الثاني وصديقي القديم وفارس أحلامي وبَطل ابنتي المغوار

تحية طيبة وبعد

أكتب إليكَ في الذكرى الثامنة لزواجنا، يوم تعهدنا على البقاء معًا حتى يفرقنا الموت، أنا التي اسمها على بِنصَرك الأيسر.. أتذكرني؟ أعلم أنك تزوجت إنسانة ربما لم يعد لها وجود اليوم، لكن الأكيد أن الكيان الذي خَلَقه اتحادنا معًا موجود، وهو يستحق المجهود مهما اشتدت رياح التغيير العاتية. هم يطلقون عليه عهدًا أو ارتباطًا، لكني أُفَضِّل التعريف الذي علمتني إياه يومًا “طفلنا البِكر”، أي أول ما ينتج عن اتحاد اثنين بعهد الارتباط. لا ليس هو الابن أو الابنة بل هو العلاقة نفسها.

أكتب لك عني وعن من أصبحت عليها خلال سنيني السابقة، فقد مررت في رحلتي الشخصية ببعض الوعكات النفسية والروحية المُغَيرة، والتي لها الكثير من التأثير على من تعيش معكَ اليوم. ليس هذا فقط، فقد مررت أيضًا بنجاحات وإنجازات تستحق الاحتفال، ولكن دعنا نركز على أسبابي الأساسية لكتابة هذه الرسالة. أنا أرجو حقًا أن تسعفني الكلمات في التعبير وأن تساعدك رسالتي على التعرُّف علىَّ من جديد.

أتَذكٌر شعورنا منذ خمس سنوات؟ وكيف كان انتظارنا لـ”فريدة” مليئًا بالشغف والحماس والتَرَقُّب؟ كنت أتصور جهلاً حينها أن تكرار البشر لفعلٍ ما بشكل إرادي، مثل إنجاب الأطفال، هو دليل كافٍ على بساطة وسهولة هذا الفعل. وإذا بي أُفاجأ بزلزال يقلب حياتي رأسًا على عقب ويفصل بين ما كنت وما أكون. ويزداد الوضع سوءًا مع أمثالي ممن يبحثن عن الكمال، فهن لن يجدنه بالتأكيد في هذا الدور بالذات.

أنا أعلم أنكَ بجانبي، مع ذلك أنا مُثقلة بالكثير، فمع كل ما مررنا به خلال رحلتنا معًا تبقى الأمومة هي أكبر صدماتي على الإطلاق، بين حلمي البسيط في إنشاء أسرة صحية يملؤها الحب والقبول غير المشروطين وبين الواقع بتحدياته الشرسة، أجدني أفشل أكثر كثيرًا مما أستطيع احتماله. لقد قرأت خبرات أمهات وآراء المتخصصين وحاولت أن أتحصَّن ضد العادات المؤذية السائدة بالعلم والدراسة. لكن أمام الخبرة العملية أجد الواقع المخيف يقول لي صارخًا: “لستِ أفضل من غيرك، بل ربما تكونين أقل قدرة وخبرة منهم، وكل فعل حكمتِ عليه تقصيرًا ها هو يعيش داخل مرآتك أنتِ”.

ليس من السهل عليَّ الاعتراف بذلك. أنا فقدت الكثير من دفاعاتي أمام المسؤولية الجديدة، واصطدمت نقاط ضعفي مع دور الأمومة بشكل ملحوظ، وبالرغم من محاولاتي المستمرة فإنني لم أستعِد توازني بعد، بل آمنت أنني لن أعود لمن كنت عليها قبل خمس سنوات. أعترف أن هذا الدور يتحداني، أو بشكل أدق هو يُعرَّيني أمام شعاراتي وأفكاري. هو يُفَرِّغ كل الآمال الحالمة من أي وهم أفلاطوني ويتركه فقط رغبة واقعية مجردة.

مع محاولاتي للتأقلم طرأت بعض التحديات المرتبطة بالمرحلة أو ربما الدائمة

أولها تفضيلي للعزلة على عكس ما كنته سابقًا. في عالم الأمومة المليء بالمقارنات أجدني دائمة التقصير، فلا أقوى، مهما حاولت، أن أكون أي أم خارقة أخرى غيري، وبالتالي أصبحت العُزلة أكثر ونَسًا من الصُحبة في أوقات كثيرة.

ثانيها كان اكتئابي المرضي الذي عشت معه لسنين، وأنا أسميه طَبعًا أو شخصية أو مجرد نوبات غضب عابرة. لكنه كشف عن نفسه كواقع جديد احتاج أن أصاحبه. من أقسى ما اختبرت في هذا التحدي كان محاولة حماية ابنتنا مني! هل يُعقل، بعد كل هذه الاستعدادات لتهيئة البيئة الآمنة أكون أنا أحد مسببات الأذى؟!

ثالثها هو شعوري المزمن بالذنب، وهنا حدِّث ولا حرج، هو صديق طفولة قديم ونعرف بعضنا جيدًا، لكنه تضاعف عشرات المرات في ظل دوري الجديد، وأصبحت أحتاج للحديث مع ذاتي بشكل يومي، حتى أستطيع أن أضع هذا الشعور في حجمه المحتمل.

رابعها هو شكلي ووزني اللذان فقدا الكثير من بريقهما، وهذا يؤثر عليَّ أكثر مما تخيلتُ. نعم أنا أمرأة عملية لكني أحتاج أيضًا لمرآتي، أتُصَدِّق أنني ما عدت أحب النظر لها! فهي ليست في صفي كما اعتدتُ منها دائمًا، على العكس هي تُصوِّر لي، في كل تفصيلة، كيف كان لسنين العمر آثارها التي لا تُمحى، وكيف أن من اعتدت أن أراها هناك ذهبت ولن تعود ثانية.

خامسها هي الطاقة سواء الجسدية أو النفسية، التي تترنح بين القوة والضعف بشكل مستمر.


ليست رسالتي بهدف التبرير، ولكنها دعوة لنا لنتعرف على كلٍ منا من جديد، ونعيد خلق بيتنا ليتماشى مع نضج ابننا البكر وتغير احتياجاته. فهل لنا بنزهة خريفية جديدة بدون مدعويين؟ فقط أنا وأنت وحدنا بعيدًا عن صخب الحياة، حيث نتعارف بشكل جديد ونبني خبرات أكثر شبهًا بنا.
نصفك الثاني
كريستين عياد
25/10/2019

المقالة السابقةالكاتبات والوحدة 2: إلينا فيرانتي: التخلص من ذنب الأمومة
المقالة القادمةأنا فتاة في الثلاثين عزباء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا