بقلم: مي صبحي
الإنسان جسد وروح، وكلاهما بهما من العطب ما يكفي، فإما تشكل روحك العبء عليك وإما يشكل جسدك. عيوب الروح قد تتفاقم داخلك وأنت لا تشعر بها، لا تعرفها ولا تعترف بها، حتى يواجهك بها أحد أو تكتشفها في يوم بنفسك، فتقف على حافة قبولها أو رفضها أو تغييرها أو تخبئتها وهي قراراتك في النهاية. ولكن عيوب الجسم إطلالتها أمامك لا تنتهي، تلك النظرة لها، مهما تغلفت بالرضا، ستظل نظرة قاصرة لا سبيل لاكتمالها، فعيوب الجسد تمتد للروح، ولا مفر من إصابتها.
فأنا لست مني
منذ بدأ يتشكل إدراكي والخُطو بوعي في هذه الدنيا، وأنا لا أرى سوى نظرات ولا أسمع سوى كلام عن جسمي. كلام ونظرات تُلخصني في عين الآخرين. عشت سنينًا لا أرى فيها نفسي سوى من خلال أعين الآخرين، حتى صارت رؤيتنا للجمال واحدة، فعندما لا أجد النظرة ذاتها، أقول “هو أنت مش شايف ولا إيه؟”.
تغير جسمي، زاد وزني أو نقص فالرؤية واحدة، تتغير المرايات، تتغير المقاسات وتتغير حتى الموديلات وتظل النظرة واحدة، مع مرور الوقت تغيرت نظرتهم ولكن نظرتي لا زالت متوحدة مع النظرة القديمة.
تغيرت الألقاب من “بكابوظة” إلى “غزال”، والأوامر من “كفاية أكل” إلى “كُلي يا بنتي وشك بقى قد اللقمة”، والمقاسات من “الدابل إكس “إلى “الميديوم والسمول”. ولكن النظرة لا زالت كما هي دون تغيير، واتخاذ قرار شراء الملابس لا يزال بنفس الصعوبة، والاندهاش عندما يأتي البنطلون على مقاس جسمي بالظبط لا يزال موجودًا ومصحوبًا بفكرة متى حدث كل هذا؟
حتة مني
قد تبدو الفكرة للآخرين وكأنها هراء، فهذا هو جسدك تقبليه، وإذا لم تستطيعي التقبل فلتغيري ما تريديه. حقًا، كم يبدو الموضوع بسيطًا حين نلقيه على مسامع الآخرين أو حين نلقيه على مسامعنا في فقرة جلد الذات اليومية. بالتأكيد لن يحكي لك أحد عن ليالٍ لم تمر، لأن ليس كل صباح يعني انتهاء الليلة بالضرورة، فهناك ليالي ما قد تستغرق سنينًا عديدة ولا تنتهي. ولن يفهم أحد لماذا تبكي، فلتتركي من يقول يقول، دعك من الناس، ماذا يهمك منهم؟!
بالتأكيد لا يهمني أحد منهم، فإن كنت أبكي فأنا أبكي على نفسي وليس من أحد، أبكي على جزء مني لا أتقبله ولا يتقبله غيري. أبكي على صورتي أمام نفسي التي لا أرى غيرها، ومهما حاولت لا أستطيع عن الخروج منها. أبكي على سجن وُضعت فيه بإرادتي وبغير إرادتي، بل وأبكي على نفسي التي لا أجدها ولا أعرفها ولا أعرف متى سأكونها. فأنا أبكي على “حتة مني”، تشوهت بفعل السنين وبفعل أشياء لا إرادة لي فيها، على نفسي التي لا أعرفها ولا أستطيع اكتشافها بعد. أبكي على حيطة سد، وشعور، مهما حاولت في تخطيه أعود إليه في لحظة إن “ده جسمي”. فإنه ليس بكاء وإنما هي سنين وعلامات وجروح لا تزال مفتوحة ولا تندمل، فأنا لا أبكي رفض أحد لي سوى نفسي.
حبي نفسك
تلك نصيحة وجملة أخرى لا يمل الآخرون من تكرارها، حاضر، سأحبها. سأستيقظ كل يوم أنظر إليها في المرآه قائلة ما هذا الجمال؟ ما هذا الجمال؟ وسأنام ليلتي باكية عليها مرة ثانية. سأفعل كل ما بوسعي حتى أحبها، وسأفعل لها ما أحب أن يفعله الآخرون لها، ولكنني لا أستطيع تقبلها! ولكن في النهاية أعتقد لا شعور أصدق وأحلى ويفعل الأفاعيل بالقلب مثل شعور القبول والحب غير المشروط، أن ترى في نظرة أحدهم نظرة لا تتغير مهما تكشفت أمامه حقائق، فهو ثابت لا يتغير. فالأحلى من أن تُحب هو أن تُقبل كما أنت حتى لو لم تتقبل نفسك.