فيروسات بيتوتية

1142

بقلم: آيات محمد

ماذا لو كان الحجر الصحي يتم خارج البيوت؟! بدأت القصة حينما زادت شكوى الناس من الملل الذي يصاحب جلوسهم في البيت في فترة العزل الصحي المنزلي، وذلك عقب انتشار فيروس كورونا، الكل يشكو مر الشكوى من قعدة البيت حيث الأكل والنوم واللا جديد كل يوم، قلة الحيلة تؤرق الجميع، والخطر يترصد بهم في الشوارع والطرقات. مرت بذهني خاطرة غريبة من وحي الأوضاع: ماذا لو كانت الفيروسات من النوع البيتوتي التي لا تعيش إلا في بيئة آمنة كبيوتنا ولا تتغذى إلا على طبيخ الأمهات؟! ماذا لو أعجبتها حياة الأكل والمرعى وقلة الصنعة، وتركت لنا الشوارع لنجول فيها كيفما شئنا؟ ماذا لو كان خروجنا من بيوتنا وبقاؤنا في الشوارع هو السبيل الوحيد للنجاة؟!

كيف ستكون الشوارع؟

شوارع تمتلئ بالمارة، ازدحام مروع في كل مكان، مقاهٍ متكدسة رغمًا عن الجميع، حيث لا ملجأ ولا مفر من الجلوس على الأرصفة، الأرصفة! تحولت أيضًا إلي مكان يحلم ببلوغه الجميع، لن ننسى هؤلاء المستغلين الذين جعلوا للأرصفة تذاكر لمن يرغب أن يحيا حياة مرفهة عمن حوله، حيث منافسة المشردين في أماكنهم على الأرصفة وتحت الكباري، كأفضل المواقع الإستراتيجة للنجاة. تحولت الحارات إلى حمامات عامة ينتشر فيها الرجال والأطفال لقضاء حاجتهم بعد أن أتعبهم طول الانتظار خارج المطاعم والكافتيريات بعدما احتُلَّت حماماتها من الفئة الأكثر ثراءً، أصوات متعالية في كل مكان، إذا أردت فعل أي شيء فعليك الانتظار في الطابور “وإنت وحظك يا تلحق يا متلحقش” هكذا يعلق رؤساء الطوابير.

 الكل يحلم بنومة هانئة ولو لساعة واحدة داخل منازلهم، وبوجبة دافئة، وبقضاء حاجتهم بقدر من الخصوصية كما كان في السابق، البعض يتذكّر سريره ويبكي من فرط الحنين، والآخر يجهش في البكاء شوقًا لأخذ حمام دافئ، الجميع يتذكّر بكل شوق تفاصيل البيت ويتحسر، يفكرون في أول لقاء ببيوتهم بعد انتهاء الأزمة وموت الفيروسات، كيف سيكون اللقاء،يا رب ارفع عنا البلاء ورجعنا بيوتنا بقى، كان هذا هو الدعاء الأساسي للجميع، العودة للبيوت سالمين ولا شيء غير هذا.

كم كنت أتمنى العودة للوضع الحالي! هززت رأسي بسرعة ورجعت للواقع وحمدت الله على نعمة البقاء آمنين، مجرد الخيال أرهقني يا ربي، أشعر بأعصابي تنهار من من فرط التوتر الذي عشته في خيالي لبضع دقائق، فزعت من كم الجرائم التي كانت ستُرتَكب أمام عيني، ونفرت من الروائح التي تفوح من الجميع لعدم توافر رفاهية النظافة، أشفقت على معدتي من الأشياء التي كنت على وشك أكلها لأبقى. رددت نحن بخير.. نحن بخير وفي بيوتنا.

أنا كائن خيالي ولأول مرة أكتشف ميزة هذا الخيال، فكلما شعرت بالضجر والملل تذكرت رغبة الآخرين -في اللا خيال- في فرصة البقاء في المنزل، بالتأكيد هناك أشخاص يتمنون فرصة كالتي نحظى بها، قبل أي شيء دعوت الله أن يُهون عليهم، وحاولت قدر الإمكان أن أستمتع بكل دقيقة. أتذكر قول أمي: إن جالك الغصب خده برضاك“، في الحقيقة هو ليس قول أمي فقط ولكنه مثل شعبي يعرفه الكثيرون، وفي الحقيقة أيضًا أنا لست متذكرة هل قلت المثل صحيحًا أم لا، ولكنني أعرف معناه، وهو أن نحاول التأقلم حتى لو كان على وضع كرهناه، أن نكون أذكياء في إدارة الأزمة ولا نجعل كل تفكيرنا في كيف سنتخلص من هذا الوضع، بل كيف نجعله يمضي دون خسارة حتى لو كانت خسارة نفسية.

ستمر ليالي العزل بكل ما فيها، وسترجع الحياة كما كانت من قبل، ستعود المدارس وتجيهزاتها وتحضيراللانش بوكس، سيعلو صوت الأمهات أثناء كتابة الواجبات، وسنعود إلى أعمالنا التي طالما كرهناها ودعونا عليها بالموت في كل صباح، هكذا كنت أسمع أختي تدعو، سنحتضن الأشخاص الذين كرهناهم وربما نقبلهم أربع قبلات كما تعودنا دائمًا، كل شيء سيعود لسابقه، سنشتاق إلى يوم إجازة نستريح فيه من إرهاقنا، سندعو بمرة واحدة يا رب نصحو فيها دون منبه، وأكلة من أكلات أيام العزل المطهوة بروقان.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

المقالة السابقةرحلتي من آخر الشارع إلى ناصيته
المقالة القادمةقنوات وخطوات تساعدك على تقوية المناعة في رمضان
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا