الصورة النموذجية للسعادة هل تحوي النساء داخلها؟

543

بقلم: چيلان صلاح

من قتل “تيريز”؟ في الحلقة الأولى من مسلسل “مسز مايزل الرائعةThe Marvelous Mrs. Maisel، تظهر السيدة “مايزل” كالزوجة المثالية التي تؤدي كل المهام المنزلية، مع الاهتمام بجمالها الشكلي ومظهرها. تتنوع المشاهد ما بين السيدة “مايزل” تطهو كعكة لذيذة، تضع كريم الوجه وتزيله قبل أن يستيقظ زوجها من النوم، تصطحبه لمساندته في مجال المونولوج الكوميدي الذي يطمح بتحقيق ذاته فيه، تذوب لتنصهر في كيان زوجها، فلا تجد وقتًا لتفكر في ذاتها سوى كانعكاس لكيان زوجها وكمصدر لسعادته.

المرأة الكاملة.. من هي؟

المرأة الكاملة التي اختلف تعريفها من زمان لآخر. في عصرنا الحالي، المرأة المثالية مطالبة بأن تصير أشبه بنجمات إنستاجرام، مع التمسك بعادات وقيم المجتمع المحيط بها. مطالبة بأن تكون الزوجة الحنون الوديعة المعطاءة، مع التمسك بجمالها وأناقتها في المنافسة مع الأمهات الأخريات، سواء في التمرين أو على الشاطئ أو حتى في مدرسة الأطفال. المرأة الكاملة هي اللعنة التي حاولت “مسز مايزل” الهروب منها، وهي اللعنة التي قتلت “تيريز” وأطاحت بها أمام امرأة أكثر كمالاً واكتمالاً.

في فيلم “السعادة” إنتاج عام 1965، تطرح “آجنس فاردا” الأسئلة عن منظومة العائلة، ولا تعطي أجوبة. لا تهتم بمعالجة الأمر بقدر ما تصور الخوف في أعتى صوره عن المرأة، ومكانتها مجتمعيًا ووجوديًا. هل المرأة موجودة بالفعل؟ هل للمرأة قدر من السعادة التي تمنح، أم أن السعادة حكر على الرجل، والمرأة مجرد صورة جميلة لما يجب أن تكون عليه السعادة في عالم ذكوري.

للسعادة وجوه كثيرة

يبدأ فيلم “السعادة” بمشهد مثالي لصورة تُعلق على الحائط؛ رجل وامرأةفرانسوا” و”تيريز”، جميلان يتمتعان بجمال الحديقة، مع طفليهما. وينتهي بنفس الحديقة، نفس الرجل ونفس الطفلين ولكن امرأة أخرى مكانها. لا تختلف الصورة السعيدة باستبدال امرأة مكان أخرى، ولا حتى بالمأساة التي بُنيت عليها الصورة النهائية، جثة امرأة قتلها الهم كونها لم تستطع أن تجد المعنى الحقيقي لحياتها، وهو أن تنصهر في كيان زوجها، وتصبح مصدر سعادته الوحيد. لم تقبل بأن تكون جزءًا من سعادته كونها لا تعي لسعادتها الحقيقية مصدرًا سواه، وإذا قنع هو باجتزائها كجزء من كيانه السعيد، فما فائدتها إذًا؟

يثير الفيلم المخاوف الكامنة لدى المرأة، فغياب الزوجة “تيريز” لا يغير في المشهد السعيد شيئًا، كأنما الصورة النموذجية للسعادة لا شأن لها بالكيان النسائي فيها. حتى أن “إميلي” المرأة الثانية ترتدي ملابس تتماهى والطبيعة من حولها، تكاد تختفي في الطبيعة مثلما اختفت “تيريز” من قبلها. القصة تبدو عادية، زوج وزوجة وحياة هادئة ناعمة، طفلان كالملائكة، حتى تظهر امرأة أخرى في حياة الزوج، يقضي وقته مقسومًا بينها وبين زوجته، وكما تتقلب الطبيعة بين الفصول، يتقلب “فرانسوا” بين غرامه مع “إميلي”، وحياته الجنسية المعتادة مع “تيريز”، إلى أن تنكشف الحقيقة، ويكون على “تيريز” أن تخرج من الكادر، لتدخل “إميلي” بدلاً منها، وتحل محلها في حياة الطفلين والزوج.

“آجنس فاردا” عابثة، تلهو بنا وبالمنظومة المجتمعية كلها. هل المرأة عماد الأسرة؟ وهل هذه المسميات تصلح أساسًا لتقييم كيان الأنثى.

يتحدث المتدينون والمربون عن مكانة الأم الدينية والمجتمعية، فإذا بأم تموت وتنهال النصائح على زوجها للزواج بأخرى، حتى تربي العيال. يظهر فيلم “فاردا” مدى غياب المرأة حتى في الدور الذي رسمه لها المجتمع، هو دور باهت، يلغي فردية واستقلالية المرأة، ويكرس لصفة شبحية تمحو هويتها وتجعل منها صفة أم وزوجة، يمكن لأي امرأة تبادل الأدوار مع أخرى، لتملأ فراغ الصفة التي تنتظر من يشغلها.

المخيف في الأمر، أن فيلم “فاردا” ما زال حتى يومنا هذا وثيق الصلة بالعصر، لا ينفصم عنه. هناك نساء ما زلن يرين في كيان أزواجهن مصبًا يمكنهن شغله مثل الشمع المُذاب. هناك نساء قد تقتل أنفسهن إذا هجرهن رجالهن، أو ألمحوا إلى أنهن غير كافيات كمصدر وحيد وأوحد للسعادة. السعادة التي عبرت عنها “فاردا” من منظور ذكوري، رغم أن الفيلم نسوي للغاية، وكأنما هي تقول بأن لا مكان لسعادة امرأة في عالم يملك الرجال مقاليد أموره.

المقالة السابقةحماية الأطفال من العنف: التأهيل النفسي للطفل المعنف
المقالة القادمةنصائح للتعامل مع الزوج: ما هو التواصل الرحيم وما طريقته
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا