صديقة عمري وكنز الرحلة

1031

بقلم: لبنى علي

وصلت في الميعاد المحدد ورأسي مليء بالغضب والأفكار المتشابكة والمتشعبة، لا أدري ما العمل وكيف أقوم بحل كل هذه الأمور. جلسنا نتحدث معًا، أو بمعنى أصح تحدثت أنا كثيرًا عن كل ما أواجهه من صعوبات في الفترة الماضية. وبعد أن انتهيت من سرد كل التفاصيل بدأت هي الحديث، كانت كلماتها تعيد ترتيب أفكاري لتجعلها تتحلى بالمنطق. تبدو المشكلات في رأسي كأنها نفق مظلم، وهي تظهر من العدم ومعها شعلة من النور تضيء لي هذا النفق، فمعها أشعر أن لا يوجد مشكلة بلا حل.

صداقة العمر

ما أجمل أن تجد من يفهمك أكثر من فهمك لنفسك! ساعات من التفاصيل قد يمل منها الكثير. أما هي فلا، تستمع إلى كل التفاصيل لتسرد حل الألغاز التي تلاعبت في رأسي، شبكة من الأفكار والمشاعر، كم من الصعب فهمها أو فكها! هي فقط تفعل ذلك، وبعد حديثي معها يصبح كل شيء منطقيًا ومنظمًا. لقد اعتدنا أن نلتقي أسبوعيًا، لا نتخلى أبدًا عن هذا اللقاء، فموعدنا معًا هو المتنفس لنا وسط زخم هذه الحياه ومرارتها وتقلباتها التي لا تنتهي.

صديقة عمري منذ أكثر من عشر سنوات. “رشا” إنسانة جميلة، حكيمة، ذكية وذات شخصية قوية. تفكر كثيرًا قبل اتخاذ الخطوة التالية وتدرسها جيدًا. على عكسي تمامًا، فأنا شخصية مندفعة للغاية، واختلافنا ما يميز علاقتنا. فسر نجاح أي علاقة ليس تشابه الأشخاص، بل إن اختلاف الأشخاص هو ما يحقق الكمال.

ورغم اختلاف شخصياتنا وطباعنا فإننا نشترك بصفة هامة للغاية، وهي الوضوح. في بادئ الأمر كنا مجموعة كبيرة من الأصدقاء نتوسطهم أنا وأنت. ولكن بمرور الوقت والمواقف لم يبق سوانا، فمنهم من رحل وابتعد لأننا كنا أصدقاء مرحلة فقط، وبانتهاء هذه المرحلة انتهت هذه الصداقة إلى الأبد. ومنهم من رحل لأنه يحمل لنا البغضاء والضغينة، ومنهم من رحل لأننا اقتربنا أكثر مما ينبغي وأصبحنا نعلم عنه ما لا يود الاعتراف به حتى أمام نفسه. ومع رحيل كل صديق تألمنا، وأدركنا أن هذه ليست صداقة حقيقية. ومع كل طعنة من أحد الأصدقاء المقربين أصبحنا أكثر قوة وأكثر قربًا. وكانت هذه الطعنات فرصة لنا ليرحل عن حياتنا من لا يستحق وجوده بها.

ثقة متبادلة

وبعد كل هذه السنوات، وكل هذه المواقف، ولدت بيننا الثقة. فأنا أعلم يا عزيزتي أنك لن تتخلي عني أبدًا وستكوني دائمًا بجواري. وأعلم أيضًا أنك تتمني لي الأفضل. وتساعديني في الوصول إليه. وأعلم إن واجهتني أي مشكلة سنفكر معًا لإيجاد الحل الأمثل لها. لن تتركيني لظلام نفسي وتشاؤمي، ستسعين دومًا لكي أنهض من أي أزمة أمر بها ولا أطيل السقوط. فما أجمل ما بيننا من صداقة تحمل في طياتها الإخلاص والمحبة!

ستستمعين لحديثي المستمر والمتواصل حتى وإن قمت بإعادته كثيرًا. لن تملي من الإعادة والتكرار، لفهمك ما في نفسي من ألم، وإعادة كلماتي ما هي إلا وسيلة للتعبير عن آلامي ومعاناتي، وبعد حين سوف أهدأ وستمر الأزمة بسلام. وفي أوقات عزلتي وابتعادي عن الناس، في أشد الأيام ألمًا وقسوة، كنتِ تجبريني على الخروج من هذه العزلة، وتحاولين إلهائي وإضحاكي وكسر الملل والروتين حتى لا أستسلم للاكتئاب والحزن.

وأنت يا عزيزتي مرآتي، فكثيرًا تضعيني في مواجهة مع الذات لأعترف أمام نفسي بمخاوفي وأخطائي، خصوصًا أن طبيعتنا البشرية تجعلنا نخشى تلك المواجهة ونحاول الفرار منها أو تأجيلها قدر الإمكان. ولكنك لا تسمحين لي بذلك، فعلى الرغم من أن هذه المواجهة مؤلمة ولكنها حتمية، حتى لا أكرر أخطائي وأرتقي بنفسي إلى مكان أعلى وأفضل. وحتى لا أجعل مخاوفي عقبة في طريقي للارتقاء والصعود.

عزيزتي.. الكثير من الناس يبحثون عن الكنز، منهم من استطاع العثور عليه، ومنهم ما زال يبحث حتى الآن. فالصديق الحقيقي بحياة كل منا هو كنز. ومن يجده عليه ألا يفرط به أبدًا، فلقد ظفر به بعد عناء. وأحمد الله أنني وجدت كنزي في زحام هذه الحياة. فالحياة من دونك لن تكن سوى صورة باهتة الألوان، كتاب ينقصه أهم الصفحات أو منزل كئيب بلا روح ولا جدران. فلن أتخلى عنك ما حييت. وأعلم أيضًا أنك ستبقين معي حتى النهاية.

المقالة السابقة10 مظاهر للثقة بالنفس ونصائح لزيادتها
المقالة القادمةويكفيني الحب فخرًا
مساحة حرة لمشاركات القراء

15 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا