ممالك النار: بوابة جديدة للدراما التاريخية

1071

بقلم: ريم وجيه

تابعت بشغف مسلسل “ممالك النار”، بالأخص بعد الدعاية القوية التي سبقته. لم يُخيِّب توقعاتي بشكل كبير، ربما لأنها لم تكن توقعات مرتفعة في الأساس. انتظرت طويلاً لأستطيع تكوين رأي أكثر وضوحًا، بعيدًا عن ضغط وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستمتع بإشعال كل شيء حتى تُحوله لرماد، وتضغط على الأعصاب حتى ننساق للرأي الجمعي.

كانت أكبر سلبية قيلت عن المسلسل هي عدم دقة أحداثه التاريخية، التي اعتبَرها البعض تقوض أساس المسلسل وتجعله كأن لم يكن. وجدتني تلقائيًا أتذكر طفولتي الأولى، وذكرى أول مسلسل سيرة ذاتية شاهدته. كان “الأيام” للأديب الراحل طه حسين، بطولة الفنان الراحل أحمد زكي رحمهما الله. كنت أقل من عشر سنوات، لكن علق المسلسل بذاكرتي، ليكون كتاب “الأيام” هو أول كتاب اقتنيه من دار المعارف في عمر العاشرة. ويتكرر الأمر مرة أخرى في مسلسل “الإمام”، بطولة محمد رياض الذي قام بدور الإمام ابن حزم. شاهدته في المرحلة الإعدادية واقتنيت الكتاب العام الماضي بعد طول بحث عبر السنين.

هل كانت هذه الأعمال دقيقة تاريخيًا؟ الحقيقة لا أعرف. لكن ما أعرفه بشكل مؤكد أنها قدمت صورة مشوقة ومتقنة، لدرجة جعلتها تثبت في عقلي طوال هذه المدة. ربما حينها كانت مشكلة حقيقية عدم دقة المعلومة التاريخية، خصوصًا مع كثرة الأعمال التاريخية، وعدم وجود مصادر مفتوحة وواسعة الانتشار كالمكتبات الإلكترونية على الإنترنت، والمواقع المتخصصة بالتاريخ أو بضبط المعلومات التاريخية.

أما الآن مع سهولة الوصول لهذه المعلومات، أشعر بالحيرة بين فكرتين، الإدانة الشديدة لصناع العمل، وعدم استعانتهم بباحثين متخصصين، والاعتماد على بحث علمي تاريخي موثق، بالأخص مع ميزانية العمل الضخمة. وبين التجاوز عن هذه النقطة، لصالح فكرة الإبداع الفني، والحبكة الدرامية للأحداث، والبحث عن سبيل لتقديم قيمة أدبية، أمام تحقير سلوكيات بعينها في سبيل النصر.

يشق عليَّ إدانة أصحاب العمل بشكل كلي. بالتأكيد الأفضلية للدقة التاريخية وصحة المعلومة، لكن لن تكون الأساس الوحيد لحكمي. الحقيقة إني أرى أن لممالك النار مميزات تفوق العيوب، وأهمها هي تقديم عمل فني عن مرحلة لم يتطرق لها حديثًا بشكل حقيقي. ومع الصورة المبهرة التي قُدِّمت، أجد أن نافذة طيبة فتحت للنظر إلى هذا الجزء من تاريخنا العربي.

عدد الحلقات القليل لم يترك فرصة للملل، وهو أمر نفتقده بشدة في الدراما منذ سنوات طوال. والوجود خارج السباق الرمضاني أتاح نظرة مدققة للمسلسل، وهو أمر عظيم، ويتيح فرصة للبحث عن الحقائق التاريخية بعيدًا عن الرؤية الدرامية للأحداث والشخصيات.

كان التمثيل نقطة قوة لصالح العمل، حيث أتقن طاقم العمل التعبير عن شخصياتهم بمهارة. لفت انتباهي فقط وضوح لهجة النجم خالد النبوي المصرية، مقابل اللغة العربية الفصحى لبقية طاقم العمل، الذي تم تفسيره في أحد التحليلات على اعتباره أمرًا طبيعيًا، على سبيل واقعية العمل. للأسف لم يقنعني التفسير بما يكفي، حيث غرد خالد النبوي وحده خارج السرب.

الإخراج الهوليودي بنظرة بيتر ويبر كانت بصمته قوية في العديد من ردود فعل الممثلين، وأثار حفيظتي بشدة، وأعتبره عيبًا جوهريًا في المسلسل، حيث افتقر للأصالة العربية الكاملة. هذا رغم المؤثرات البصرية والصورة المرئية كانت واضحة وقوية، ربما عابها بعض اللقطات الثابتة، التي بدت وكأنها تستهدف الصورة الثابتة، لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أني أرى أن الإيجابيات في “ممالك النار” أكبر من سلبياته. أراه خطوة نحو عودة الدراما التاريخية العظيمة، كذلك أراه فرصة لرؤية تاريخنا من جديد والبحث عنه، ومعرفة أبطاله بشكل أقرب.

اقرأ أيضًا: مسلسل YOU والشعرة الفاصلة بين الحب والهوس

المقالة السابقةمن أطفأ النور بداخلي!
المقالة القادمةالدمج التعليمي: القوانين تفرض ولكن هل تنفذ؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

4 تعليقات

  1. لو على المسلسلات التاريخية تابعى ، اعمال الكاتب وليد سيف ، على الأقل ربيع قرطبة وملوك الطوائف ، هتلاحظى الفرق بين اللغة والفصاحة ، ده غير القصة اللى بتنحكى بحيادية دون الوقوف فى طرف ع حساب طرف آخر ، أو صنع شخص شيطانى وشخص آخر ملائكى …. فكل الشخصيات بها مساوئ ومميزات فيه الصالح والطالح … شوفى شخصية محمد بن أبى عامر وتطورها فى ربيع قرطبة من الشاب الطموح الفقير والمثقف ، للشخص المسيطر على الحكم

    • متشكرة أوي لاهتمامك ، و بإذن الله أشاهد المسلسلات اللي حضرتك اقترحتيها 🙂
      الفكرة في ممالك النار الإنتاج الضخم والترويج على مستوى الوطن العربي كله كان قوي جدًا.

  2. بالنسبة للبحث التاريخي شارك فيه د. محمد صبري الدالي رئيس دار الكتب السابق ورئيس قسم التاريخ ب آداب حلوان ، لكن فيه رؤية درامية من حق الكاتب استخدام خياله لإثراء الدراما في النهاية ده عمل فني مش كتاب تاريخ ، ومقدرتش افهم جزئية الأصالة العربية الكاملة في الإخراج ؟؟ دي المقصود بيها ايه..
    طبعا المقال مجرد انطباع للكاتبة لا يعتد بيه كنقد فني

    • بالظبط يا أفندم ..ده مقال رأي وليس نقد فني متخصص .
      و ذكرت إن فعلًا الالتزام بالتاريخ شيء مش ملزم لصناع العمل ، وإن كان يفضل لو أمكن .
      بالنسبة لأصالة الإخراج ، كل مجتمع له نمط معين في ردود الفعل والتصرفات والرؤية ..في حركات بعض الممثلين كرد فعل ، كرؤية إخراجية صعب الشخص الأجنبي الغريب عن الثقافة إنه يطلعها كشخص ابن البيئة نفسها ..و طبعًا ده رأيي وغير ملزم .
      اتشرفت بردك واهتمامك يا أستاذة رانيا .

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا