لا تبصق فى الأشياء

1159

لا تبصق فى الأشياء

كتبه: رفيق رائف

كنت أحكي لصديقتي عن موقفٍ ما، قمت فيه بعمل جيد، وأبدى الكثيرون إعجابهم بما فعلته. ثم مزجته ببعض اللوم لنفسي؛ لأنني لم أفعله على أكمل وجه، وكان يمكن أن أقوم به بشكل أفضل؛ إذا تركيزى أفضل أو إذا كنت موجودًا مدة أطول. فقالت: “رفيق، لا تبصُقْ في الأشياء .. لقد قمتَ بعمل جيد، امتنَّ لنفسك بسببه وافتخر بها؛ ولا تبصق عليه بلومك الدائم لها”.

لحظتُ أنني في العادة “أبصق على المواقف”، لا أترك نفسي تشعر أنني كنت جيدًا كفايةً، ذكيًا كفايةً، أو ماهرًا كفايةً .. دائمًا يوجد شيء أفضل كان يجب أن أفعله؛ كلام أذكى كان يجب أن أقوله، ردُّ فعل أكثر حكمة كان يجب أن أقوم به..

 

لا أعرف لماذا يبدو من الأسهل لدينا دائمًا أن نرى فى أنفسنا العيوب أكثر من المميزات، أن نلومها أكثر مما نمتدحها، أن نوبخها بدلًا من أن نشجعها، أن نُخزيها بدلًا من أن نفخر بها .. دائمًا يكون الاختيار الأصعب هو أن نقول شيئًا جيدًا عن أنفسنا.

في خلال عملي وخبرتي القصيرة فى مجال المشورة والعلاج النفسي؛ لحظت كم من السهل على الناس أن ينعتوا أنفسهم بأقبح الألفاظ .. “أنا غبية”، “أنا فاشل” ، ” أنا قبيحة” ، ” أنا كسول”! .. وكم من الصعب أن يقولوا أي شيء جيد عن أنفسهم .. كلمات مثل ” أنا جميلة” ، “أنا ذكي”، ” أنا مجتهد”! .. تبدو فى غاية الصعوبة.

 

ربما اعتدنا ذلك؛ لأننا نخاف أن يُطلق علينا “مغرورين” أو “متكبرين” .. ولكنني أرى أن المغرور هو شخص يشعر فى الأساس بكراهية لنفسه ودُونية شديدة (حتى إن كان غير واعٍ بها)؛ ولذلك يشعر دائمًا بالتهديد فى كل الأحيان ومن كل الأشخاص، ويحاول دائمًا أن يظهر عضلاته، يظهر كم هو قوى، وذكي، وحكيم، متباهيًا بذلك .. خوفًا من أن يراه أحدهم على حقيقته؛ وكأنه يحاول دائمًا أن يثبت جدارته واستحقاقه لأن يكون الأفضل فى أي تجمع أو أية مقارنة مع أقرانه.

 

وربما اعتدنا ألَّا نرى شيئًا فى أنفسنا؛ لأن بداخل كلٍّ منا ناقدًا داخليًّا، كل وظيفته أن يرى القبح بداخلنا فقط. يرفض أن يرى أي شيء جيد بنا، طالما لم يكن كاملًا ولم يكن باهرًا للآخرين. بل حتى وقتها دائمًا ما يستطيع إيجاد شيء ناقص أو معيب.

وربما نخاف أن نقول أشياء جميلة عن أنفسنا لئلا نصدقها؛ ظانين أننا حينها سنقتل أي طموح بداخلنا، ولن نبذل أي جهد فى تغيير أنفسنا وقتها أو تطويرها .. وربما اعتدنا لوم أنفسنا حتى صارت أي أفكار حب لأنفسنا غريبة على قلوبنا.

 

ولكن، لا أعتقد أن هناك أي طريق للتغير أو للنضوج لا يبدأ بحب النفس والامتنان لها..

أن تحب نفسك هو أن ترى ما بها من جمال، وما بها من ضعف أيضًا..

أن تحب نفسك هو أن تقبل محدودتيها..

أن تحب نفسك هو أن تأمن فيها، وتثق بها..

أن تحب نفسك هو أن تسمح لعينيك أن تريا غلطاتها، وأن تغفر لها أيضًا..

لماذا يهرب الناس من مواجهة أنفسهم؟ لماذا يغرقون فى إدمانات العلاقات أو العمل أو الجنس؟ أعتقد أن كره النفس قد يكون ضمن الإجابة على هذين السؤالين.

وربما إذا أحببت نفسك؛ ستتصالح معها وتعقد معها سلامًا، بدلًا من صراعك معها ليل نهار .. وربما تحتاج عيناك أن تعتادا على رؤية ما هو جميل بداخلك؛ حتى لا تفزع عند رؤية ما هو معيب أو ضعيف أيضًا..

أخيرًا، سأتركك مع هذا السؤال الصعب عسى أن تحاول الإجابة عليه .. فقط حاول.

ماذا ترى من أشياء جيدة بك؟

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةشجاعة التمرُّد والامتلاك
المقالة القادمةالله وأنا والآخر
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا