شجاعة التمرُّد والامتلاك
مَن منا لم تحلم يومًا بالدراسة في نفس مجال شغفها؟! مَن لم تحلم يومًا بإنهاء دراستها بتفوق؟! ومَن لم تتمنَّ عملًا مسايرًا للشغف محققًا للذات ومدرًّا للمال؟! ومَن لم تسرح بخيالها متوقعةً حبًّا غير معتاد، مختلفًا عما عاشه كل المحيطين من أهل وأصحاب؟! ومَن لم تنتظر حياة هنيئة مع زوج مخلص داعم ومتعاون؟! مَن لم تطلب أطفالًا أصحاء موهوبين، مهرة وكاملين؟!
مَن لم ترسم في ذهنها صورة لحياة مثالية تسير كما هو مخطط لها تمامًا، وكما هو منتظر ومتوقع منها؟! دراسة بتفوق، فنجاح وتخرج، فعمل مناسب، ثم حب وزواج، يليها تكوين أسرة سعيدة! حياة كاملة، حياة سعيدة، حياة مثالية، دون عقبات أو منغصات.
– عظيم؟
= بالتأكيد. ما أجملها حياة!
– لا أريد أن أصدمك. لكن هذه ليست حياة.
= نعم! لماذا؟ كيف؟ كان المقال يسير بصورة جيدة. فماذا حدث؟
– سأقول لكِ. هذه ليست حياة، هذه مجرد أوهام! وَهمُ أن الحياة السعيدة تسير وفق مخطط زمني سبق إعداده وتجهيزه، ممن سبقونا ووضعوه في مخطط زمني عبر خطوات محددة محسوبة التوقيت: أنكِ في أوائل العشرينات تنهين دراستك، وقبل أن تصلي لمنتصف العشرينات تُخطَبين وتتزوجين، وحبذا لو أصبحتِ أمًّا. وبعدما تنجبين طفلًا تأتين بأخ أو أخت له. وإلا يكون القطار قد فاتك! وإن فاتك قطار منتصف العشرينات، فاجري بأقصى سرعتك لتلحقي به في أواخر العشرينات، أو أوائل الثلاثينات بالكثير، وإلا ففي ماذا ستقضين باقي عمرك إن لم تكوني قد تزوجتِ وأنجبتِ؟!
إنها تصورات ساذجة لخطوات محددة، لا تنتج قصة حياة؛ بل هي قوالب سابقة التجهيز من مصنع قديم لمجتمع ساذج يرى الحياة عبارة عن لوحة مرسومة بلون واحد -لون وردي فاتح سخيف- وخالية من بقية الألوان.
هذه المعطيات لا تعطي في النهاية قصة حياة حقيقية؛ فالحياة الحقيقية إن كانت لوحة، فهي مرسومة بكل الألوان المُبهجة أحيانًا والغامقة القاتمة أحيانًا أخرى!
فالرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن! بل إني أتجرأ وأقول: إن ما يصنع قصة الحياة المختلفة أحيانًا هي الرياح غير المواتية التي هبَّت على سفينة الحياة، فدفعتها بعيدًا عن الخطة المرسومة لها؛ مما جعلها تكتشف طرقًا وخططًا ومسارات متميزة، بل قد يصل التفرد إلى شقها بنفسها لطرق جديدة تمامًا لم يعرفها، ولم يكتشفها قبلها أحد!
نعم. مَن لم تحلم بحياة مثالية تسير كما هو مخطط لها تمامًا دون خروج عن النص؟ لكن السؤال هنا مَن الذي وضع النص؟ مَن الذي قرر المُقرَّر؟ مَن الذي حكم بشكل القالب الذي علينا جميعًا أن نلتزم به؟! ومَن منا ستمتلك الشجاعة الكافية للتمرُّد على النص، ولكسر القالب؟
لتعيشي قصة حياتك بنفسك، ولتصوغي النص الذي يناسبك، ولتسعي وتمتدي خارج القوالب سابقة التجهيز؛ هناك أنواع مختلفة من الشجاعة تحتاجين أن تتسلحي بها، مجموعة شجاعات هي كأدوات ومعاول شق الطرق للوصول لحياة متميزة ومتفردة.
* شجاعة البدء من جديد
فمهما حدث من أخطاء، ومهما يحدث من سقطات؛ هناك الإيمان بربٍّ عالٍ في سماه، يمد يد العون، ويقيمك من أي زلل أو فشل، ويثبت رجليكِ على صخر لتشقِّي طريقك من جديد. هناك اليقين أن الباب المغلق يتبعه أبواب مفتوحة. ونهاية جملة ليست إلا بداية لما يتبعها. قولي لنفسك: “كل يوم جديد هو فرصة جديدة لبداية جديدة”.
* شجاعة طرح الأسئلة
فلا أسئلة ممنوعة؛ لأنه لا تساؤلات محظورة. بل ما قد يبدو سؤالًا غبيًّا أو ساذجًا أو حتى تافه يستحق الاحترام؛ لأنه موجود، لأنه جاء، لأنه نبت. إنه يحتاج فقط الشجاعة الكافية للتعبير عنه؛ فلا تحرميه وتحرمي نفسك من التعبير وطرح ما يصادفك من أسئلة. ولا تخافي من أن يأتي سؤال بسؤال وتمتد سلسلة من الأسئلة بلا نهاية. قولي لنفسك: “مش لازم كل الأسئلة تتجاوب”.
* شجاعة الكف بوعي عن المقارنة
نعم. المقارنة تحتاج شجاعة لوقفها. فمَن منا لم تكبر في بيتها أو مدرستها أو مجتمعها تُقارن بمَن سبقوها في أي وكل شيء؟! نعم. الأمر يحتاج شجاعة النية لعيش عيشة مختلفة ومتميزة. قولي لنفسك: “كل مقارنة ظالمة؛ لأنها تقيس أسوأ ما عندي بأجمل وأعلى وأعظم ما عند الآخر الذي أُقارن به. وهذا ليس من العدل في شئ”.
* شجاعة امتلاك القصة المتفردة
قصتي هي القصة التي لا يعيشها ولن يعيشها إلَّاي. بالطبع لن أعيش فيها بمفردي؛ فحولي بشر آخرون يشاركونني فصول الرواية وتفاصيل الحكاية، لكنها في النهاية قصتي التي أنا بطلتها. سأتصرف بوعي وسأتحمل مسئولية ما أعيشه، لن أنجر لدور الضحية. لا أعرف أي فصل من فصول الرواية المثالية وقع منكِ! لا أعرف أي فصل مازلتِ واقفة تصارعين فيه دون أن يبرز جمال القصة بعد. قولي لنفسك: “هذه قصتي وسأعيشها. وسأتولى مسئوليتها بالتمام، وسأعيش تفاصيلها كلها؛ بألوانها المبهجة وألوانها القاتمة، إلى أن يجيء اليوم الذي سأفخر فيه بشجاعة امتلاكي لقصتي”.
مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب