رسالة كورونا المشفرّة

928

بقلم: صفاء أحمد

حين تخرج من العاصفة، لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها، ولهذا السبب وحده كانت العاصفة

استوقفتني هذه الكلمات حين كنت أغوص في رواية “كافكا على الشاطئ”، للكاتب الياباني “هاروكي ماروكي”، والتي كنت أجلت قراءتها لسبب ما لا أعرفه، ولكن شيئًا بداخلي دفعني هذه الأيام لقراءتها، وكأن التوقيت كان هو المهم في الأمر.

هدنة فيروس كورونا المستجد

أعلم أنك تقرأ هذه الكلمات الآن من وراء شاشة هاتفك المحمول، والتي أصبحت النافذة الوحيدة لنا جميعًا لما يحدث في الخارج، وأنا أيضًا أتابع مواقع الأخبار، لمعرفة القرارت الجديدة وما تم إضافته إلى قائمة المحظورات، والتي تطول يومًا بعد يوم. ألتقط أنفاسي من حين لآخر بالضحك على “إفيه” معروف استغله صناع “الترند” لنبتسم ونردد “شر البلية ما يضحك”، ولنؤكد لأنفسنا للمرة المليون أن الشعب المصري لا منافس له في صناعة الضحك، حتى في أحلك المواقف وأكثرها صعوبة. أتابع من باب الفضول محبي الإشاعات التي أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهم يشيرون لأنفسهم “إحنا لسة موجودين اتفرجو علينا وإحنا بنركب الترند” حتى لو تكلف الأمر الاستخفاف بأنفسهم وضمائرهم قبل الاستخفاف بعقولنا.

نظرية المؤامرة حقيقة أم خيال؟

تروادني بعض الأفكار أحيانًا لأتباع نظرية المؤامرة، وأن الأمر لا يستحق كل هذا الهلع، لأنه سوف يصب في النهاية لمصلحة الأطراف المفتعلة للأمر، ونكون قد مثلنا أدوارنا مثل العرائس المتحركة التي أدت أدوارها بإتقان، ولكن بيد صحاب المصلحة الأصلي، ثم أتراجع عن مثل هذه الأفكار التي لا جدوى منها، لأعود لعاصفة ماروكي من جديد، والسبب الذي جاءت من أجله، فأنا أوقن أن لا شيء يحدث صدفة، بل هو أمر ما مقدر له الحدوث في وقت وتزامن معينين، بمنتهى الدقة وأكثر مما نتوقع نحن، حتى إن كانت حسبتنا تتعارض مع الحدث لكن الحسبة الربانية أكثر حكمة وبصيرة دائمًا وإن كنا لا نرى ذلك.

ماذا يريد منا كوفيد-١٩؟

أتساءل في تأمل: ما الذي تريده العاصفة؟ وما الرسالة التي تحملها لكل منا ليخرج منها شخصًا آخر فتكون قد حققت الهدف من مجيئها؟ الرسالة التي تنتظرنا لقراءتها بقلوبنا بعيدًا عن تحليلات العقل ومنطقه للحدث، وكأن الكرة الأرضية بأكملها قررت أن تنتفض من أجل أن تتنفس، بعدما ضاقت بها كل السبل للصراخ في وجوهنا مرة بحرائق غابات كتلك التي نراها في الأفلام، وتغيرات مناخية لم نشهدها من قبل وغيرها من الأحداث المتتالية، وصولاً إلى ما نشهده اليوم، لنستوعب هذه الرسائل، والكون يمد يد العون لنا ويفسح لنا الطريق للدخول لمستوى أعلى من الوعي، لنعيد التوزان في كل نواحي حياتنا، ويغلق علينا كل ما هو بالخارج، فلا يتبقى لنا سوى المواجهة الصادقة، لعل فك الحصار عن تفاصيلنا اليومية يسمح لأنفسنا الانتقال لأماكن أكثر براحًا، لم نكن نعلم بوجودها بداخلنا من قبل، الأمر أشبه بتباطؤ حركة قطار لتتضح الرؤية شيئًا فشيئًا، وتبصر العين ما لم تكن تلحظه من قبل من شدة سرعة حركة القطار.

رسالة فيروس كورنا

قد تكون الرسالة إعادة النظر في أمر ما وحسمه بلا رجعة، أو القرب من أحبائنا وإدراك قيمة وجودهم التي اعتدناها، وقد تكون مرحلة غربلة لكل ما لم يعد يصلح وجوده في عالمنا، والروتين اليومي حرمنا من متعة إصلاحه أو إزاحته من طريقنا، لنحيا بما تمليه علينا أرواحنا بعيدًا عن الزيف الذي أرهقها، أو فرصة لاكتشاف بصمتنا الحقيقية التي خلقنا من أجلها، والجري وراء تلبية متطلبات الحياة أبعدنا عن هذا الطريق. أو قد تكون الرسالة تقدير الحياة نفسها بكل ما تحمله لنا من صعوبات، لنتأكد حقًا أن المتعة قد تكمن في الرحلة أيضًا، وليس بتحقيق الهدف وحده.

كل منا يحمل مخاوفه الخاصة، لكننا نتفق جميعا أن أكثرها شراسة هو الخوف من الموت، وقد تكون الفرصة لمواجهة ما هو أصعب فيهون بعد ذلك أي تحدٍّ قادم في الحياة. رسائل كثيرة تنتظر منا أن نتحلى ببعض من الشجاعة والصدق، لنقترب منها وندرك سبب مجيء العاصفة وما الذي تحمله رسالة كورونا المشفرة.

اقرأ أيضًا: ما تعلمته من أزمة كورونا

المقالة السابقةحين قررت أن أكتب
المقالة القادمةماذا يجب أن أعرف عن فيروس كورونا المستجد
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا