بقلم: هايدي كارم
سمعت اليوم حديثًا عبر الراديو يتضمن سؤالًا خياليًا، ماذا لو يوجد آلة تنقلك عبر الزمن، كنت ستود الذهاب للماضي أم للحاضر؟ كان الغالب على الإجابات هو الرجوع للحظة هدوء في الماضي، في زمان لا يحتوي على كل هذا الصخب الفكري والضغوط الحياتية. ستظل الحياة هي الحياة، سواءً في الماضي أو الحاضر ولكن ما اختلف هو نحن. أصبحت تلك الحياة مخيفة أكثر مما يجب، لم تعد الرحمة تسود قلوب المعظم، اختفى السلام النفسي حيث يشهر كل منا سلاحه في وجه الآخر، استعدادًا لمعركة لم تبدأ بعد، بينما نحن على أهبة الاستعداد.
مجرد الحديث العابر مع البعض هو معركة في حد ذاته، يخرج منها الطرفان خاسرين، إما قناعتهما أو سلامهما النفسي. لا يمكننا التعميم بالطبع ولكن أصبحنا نرى الكثير والكثير من تلك الصراعات. اليوم غدت أبواب الرأي مفتوحة للجميع، حتى أن لكل فرد منّا صفحته الشخصية التي تُعبِّر عنه، ومع ذلك يزداد كل يوم حرصك على التعبير عن رأيك، بشكل علني، حتى لا تلتصق بك الاتهامات دون وجه حق أو إتاحة الفرصة لرؤية وجهة نظرك.
تعلمنا أن اختلاف الرأي ليس بالضرورة يفسد للود قضية، الآن تغيرت تلك الحقيقة نوعًا ما، يمكن لاختلاف رأيك أن يفسد سلامك الداخلي وثقتك بمن حولك، أو يمتد إلى خسارة بعض علاقاتك القريبة. أتخيل كم رأيًا متوازنًا أو رواية حقيقية، أو كتابًا ثريًا لم يكتبوا بعد، خوفًا من قساوة النقد والتطرق للشخص وليس للمنتج محل النقاش والاختلاف، أو قد يحدث العكس تمامًا إذا حاولت نقد شيء بموضوعية، قد تُدعى أنك حاقد على نجاح الآخرين.
يقال إذا كلفك الأمر السلام النفسي فقد كلفك الكثير. أعتقد أن تلك المقولة تتضمّن الكثير من الصواب وبعض الخوف، ليس بالضرورة أن تكون الأنجح على الإطلاق، أو من يشير إليه العامة، أو بلغة هذا العصر الأكثر انتشارًا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأهم أن تكون سعيدًا بما اخترته لنفسك. اختيارًا ليس هينًا على الإطلاق أن تختار بين السلام والسعادة.
ذات يوم كان عليَّ أن أختار بين رغبتي الملحة في التعبير عما يدور داخلي، عن طريق الكتابة، لكي يتوقف عقلي عن الصراخ أو البقاء بعيدًا عن كل هذا خوفًا من الرفض. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، وحدثتني نفسي بوابل من العبارات السلبية، ووضعت الخوف من الفشل والنقد أمام عيني طيلة الوقت، ولكني قررت في يوم أن أحاول رغمًا عن نفسي. مهدت لها أن التقبل شيء أساسي لكي أتعلم، وأننا سنظل نختلف في الكثير ونتفق في البعض ما حيينا. تعلمت أن الرأي الآخر فيه جزء من الصواب يستحق التأمل والتعلم، وأن كل إنسان يؤخذ منه ويرد، وفيه أيضًا ما يعبر عن شخص صاحبه وتجاربه ونشأته، التي ليست بالضرورة تتوافق مع قناعاتي. تعلمت وتدربت على الكثير من التقبل، لكني ما زلت أشفق على نفسي وعلى من مثلي، من يحاولون جاهدين التغلب على أنفسهم قبل مواجهة من حولهم.
اقرأ أيضًا: سلاحي السرّي داخل عقلي