الرضا بالحياة بين ما نريده وما نجبر عليه

1276

بقلم: منة الله أحمد

أحيانًا يكون هناك شعور تام بالفراغ في داخل نفس الإنسان، ذلك الشعور الذي يتملكنا لا ندري ماذا نفعل به، لا ندري ماذا نقول. هنالك خطب ما. نحن لسنا سعداء، ومع ذلك نحاول أن نقنع أنفسنا أننا سعداء، ففي النهاية هذا ما يريده الجميع، أو هذا ما أردناه نحن لأنفسنا. لكن يظل من داخلنا لا نشعر بذلك الرضا المتوقع. ونفتقر إلى شيء ما غير معروف، أو في كثير من الأحيان نحاول تجاهله مع أننا نعلمه جيدًا.

لقد صار الأمر أسلوب حياة. الابتعاد عن ما يسعدنا معتقدين أنه سيكلفنا الكثير وأننا لا نريده حقًا. هو فقط مجرد حلم أو رغبة سمجة طفولية، ولا يمكنها أن تعيش أو ليس لها القدرة على النجاة والتحقق على أرض الواقع. فينتهي بنا المطاف هكذا، مفتقرين إلى شيء ما. أحيانًا ومن كثرة إقناعنا لأنفسنا أننا لا نريد حقًا ذلك الشيء المحدد المرغوب به عندما نشعر بالفراغ وعدم الرضا وكأن شيئًا ما ليس في محله، فإننا لا نعرف حقًا ماذا نريد بعد.

لكن إن نظرنا حقًا لتحقيق أحلامنا والسعي وراء ذلك الشيء الذي نحبه ونحلم به، فسوف ندرك أن تكلفته لا تزيد أبدًا عن تكلفة عيش حياة شخص آخر أو حياة اختيرت لنا. فإن العيش هكذا على سنة الأهل والناس والمجتمع قاتلة. وسوف تؤدي بك إلى جحيم خانق. ذلك الجحيم من الزيف ومن محاولتك تطويع نفسك وروحك لتأخذ شكلاً آخر ليس هو بشكلها، وليس هو بطبيعتها. إن الزيف قد يظهر في خارجه أنه سهل لكن من داخلنا هناك ذلك الالتواء والألم وتلك الشكوى، والاستياء الحاد. ومع أن العيش على طبيعتنا ومطاردة رغباتنا التي تجلب لنا السعادة والارتياح، قد تظهر من الخارج أنها مرهقة ومخيفة إلا أننا من الداخل نشعر بتلك الخفة وذلك الرضا والسعادة والانتشاء.

والمشاعر الحقيقة التي تسببها الأشياء والأحداث الحياتية لنا تتجلى عندما نحظى بلحظة هدوء وابتعاد عن الآخرين، ولحظة صفاء مثل تلك اللحظة قبل النوم، تلك الحظة التي نضع رأسنا على الوسادة ونتأمل حياتنا بشكل عام.

أحيانًا قد نكون فعلاً نطارد أحلامنا، ونمارس كل شيء جميل يجلب لنا السعادة وتلك الرفرفة فوق الحياة. لكن مع ذلك قد نشعر بأن هناك شيئًا مفقودًا. ربما يرجع ذلك إلى أننا لم نهتدِ بعد لذلك الشيء أو ذلك الشخص، فلا نعلم بوجوده، لذلك نكون دائمي التساؤل لماذا نحن لسنا سعداء تلك السعادة من الداخل، رغم أننا نفعل كل شيء نحبه. أتساءل لمَ نحن دائمو البحث عن التعاسة لمَ نشكو أننا لا نجد السعادة بينما نحن لا نبحث عنها ونفعل كل شيء لا يجلب لنا التعاسة؟!

نحن أدرى بمواقفنا ومشاعرنا واختياراتنا وتفضيلاتنا، كل شيء مدروس بعناية وكل شيء معروف. نحن إما نعلم ما نحب ونتجنب فعله، وإما لم نختبر الكثير من الأشياء، فلا نعرف ماذا نبتغي. فقط نعي أننا لسنا سعداء بحياتنا الحالية. لكن السؤال هو: لماذا لا نريد أن نختبر أشياء جديدة؟ لماذا نتجنب دائمًا أن نخطو خطوة تجاه ذلك الحلم، تلك الرغبة تلك الحياة المرغوبة؟ ربما بسبب الآخرين. فنحن سنلقي الكثير من الاعتراض والاحتقار ربما إن فعلنا ما نريد، أو ربما لأننا نخاف من الجديد ونخاف المحاولة، فلا نريد أن نجرب أشياء جديدة.

وفي النهاية تبقى هكذا بلا حياة، معلق وممزق بين ما تريد أن تفعله وما هو متوقع منك أن تفعله. فتظل أسير الآخرين وآرائهم إلى أجل غير مسمى، لا يملؤك سوى الفراغ من الداخل بذرات التراب تلك، التي تبرز خلال النهار. إنه لشيء عجيب كيف أننا نعجب بمن يعبرون عن أنفسهم، بمن يطاردون شغفهم ويحققون أحلامهم، بينما نعتقد أننا لا يجدر بنا فعل ذلك، أو أن النجاح في ذلك غير مقدر لنا نحن. وكأنه كتب علينا الفراغ!

اقرأ أيضًا: كي لا يموت الشغف

المقالة السابقةثرثرة حول نفسي
المقالة القادمةنهاية واحدة طويلة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا