ثرثرة حول نفسي

1346

بقلم: ياسمينا نصر

كنت أقول لنفسي في كل صباح: إنها فرصتك الأخيرة لتعرفي من أنتِ. تبنيت منذ خمس سنوات فكرة عن الإنسان الصالح، الإنسان السوبرمان الذي يعيش لينقذ الجميع، الذي يبحث عن الغاية من وجوده ووجود كل شيء حوله، الإنسان القائد صاحب المعنى المؤثر الذي لا يخطئ.

ظلت أفكاري تنمو شيئًا فشيئًا حتى سيطرت عليَّ، فبدأت بالتنقل بين المؤسسات والندوات المختلفة لأعرف أكثر عن Meaningfullife، أقرأ في الكتب المختلفة لعلي أجد بين ثناياها ما يرشدني إلى سر الرحلة، أتعلم من هذا ومن ذاك وأجلس في مجالس العلم المختلفة أتناقش وأبارز الجميع بأفكاري المؤثرة الخلابة، كأنني أقول بصوت مرتفع أيها الناس أنا فتاة ناضجة أبحث عن نفسي وعن الحياة.

حتى جاءت كورونا وأغلقت الأبواب في وجهي، أعطتني صفعة قوية، من اليوم لا ندوات ولا مؤسسات، لا يوجد ثرثرة وإثباتات عميقة حول هويتي ومن أنا، لن تذهبي إلى أي مكان لتتعرفي على أصول القيادة، لن تهربي من نفسك بالإلهاء. الآن أنتِ مضطرة لرؤية العالم، الآن أنتِ مضطرة لقيادة نفسك.

افتحي عينيكِ

كان المنظر في البداية شديد السواد، أنا ومرآتي أمام بعضنا بعض، كل منا ينظر إلى الآخر ويتساءل عن معنى الصبر للمرة الأولى، عن معنى الصمت للمرة الأولى، وعن المغزى من الحياة مرة أخرى. في البداية واجهت رعبًا شديدًا، عليَّ الجلوس بالمنزل لأيام غير معلومة العدد ولا يوجد لدي أي خطط. ظلت الأفكار السوداوية تدور بعقلي، لا قيمة لي بعد اليوم، أين البشر؟ أين أنشطتي اليومية؟ أنا لا أستطيع حتى رؤية أصدقائي.

تتوالى الأحداث، والمشكلة تتفاقم، عدد المصابين يزداد والعالم يضيق وعقلي يصبح أضيق. ينتابني الخوف والذعر، وأعاني من التساؤلات الساذجة من قبيل: أين دورك من كل هذا؟! كيف ستنقذين العالم؟ كيف سيمتد أثرك إلى النهاية؟ كانت لك طموحات في تخليد اسمك على جدران العظماء.

هكذا وجدتني أعيش الوهم من جديد، كأن لأي منا سيطرة على شيء. تناسيت للحظة أننا ضعفاء، وتناسيت أن قدراتنا محدودة، ورفضت أن أستمع إلى صوت المنطق، أردت أن أستمد قيمتي من إنجازاتي، حتى وأنا بين أربعة جدران. يوم بعد يوم ومع امتداد الأزمة بدأ النور يتسرب إلى قلبي شيئًا فشيئًا، بدأت أفكاري تنتظم وتعرت معتقداتي أمامي.

اكتشاف مذهل

كل ما أردته هو الوقت وقليل من الصبر، لأرى الثقب بوضوح. العيب دائمًا يكمن في نظرتنا السطحية لأنفسنا وللحياة. نستيقظ كل يوم من النوم ولدينا رغبة مجنونة في التأكد من قيمتنا، حتى أصبحنا مجموعة من الإنجازات تمشي على الأرض. الحياة سلسلة من الدروس، والاختبارات تعطى لنا لنتعلم.

أكتشف يومًا بعد يوم أن العيب كان في تحليلي للأمور، نظرتي المثالية عن العالم وعن نفسي. كان لغاندي مقولة جميلة أدركت قيمتها الآن:

كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم

بهذه البساطة! طوال تلك السنوات أضع نفسي في مأزق الشخص الكامل وأتناسى أنه لا يوجد شيء كامل، لا أعرف متى سينتهي الفيروس ولا أحد يعرف، وهذه هي المعضلة، مواجهة المجهول غير المرئي، ولكن هذا الوقت المستقطع من الحياة يمكنه أن يعطيك فرصة للتوقف عن الجري وراء الإنجازات، وتستعين بتأمل ذاتك وتفحصها ومراجعة أمرك مرة أخرى.

خذ فرصة للتنفس.

اعتنِ بنفسك واعطِها وقتًا.

لا تحكم على الأشياء بسرعة، وتأكد أن لك دورًا وبصمة في كل شيء يمر على روحك مهما بدا لك بسيطًا وتافهًا وغريبًا.

نحن اليوم بصدد حياة متغيرة، وهذا التغير يحتاج إلى شجعان أبطال من نوع آخر، لا يظهرون في الأفلام التجارية، ولن يكونوا “إنفلونسرز” على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التغيير يحتاج إلى إبداع وتكيف وصبر وحكمة في التحرك وفي القول وفي العمل.

تساءل وعد على نفسك الأسئلة من جديد.

باشر البحث عن ذاتك ولا تنخدع بالشعارات الرنانة.

جد في نفسك أشياء رائعة ونمِّها ببطء وبخفة.

اصنع دائرة تأثير صغيرة مكونة من عائلتك وأصدقائك المقربين.

ابدأ بملء فراغات روحك بمعرفة الله، وادعوه في كل مساء قبل النوم أن يحميك ويحفظك بعنايته ومحبته.

سامح.. فمن منا يضمن العيش ولو ليوم واحد.

وفي نهاية كل يوم قل للأحبة إنهم أحبة، وتوقف عن الجري حتى تلحق بك روحك.

ابدأ كل يوم من جديد.

ووصيتي الأخيرة لك: لا تيأس.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

المقالة السابقةهل يتعافي المرء بأصدقائه كما يقال؟!
المقالة القادمةالرضا بالحياة بين ما نريده وما نجبر عليه
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا