صالحت بيك أيامي

1265

بقلم: أمنية رضوان

في البدءِ كانت السذاجةِ المطلقة.. كنتُ مراهقةً ساذجة حينها، حين ظننت أن الحبُ يشفينا ويحمينا، كنت أنتظرُ الحبَ الذي سيُخلّصني، سيُحررني من حزني، والآلام، ومن صدماتِ الصِغرِ وجراحِها الغائرةِ التي لا تنضب، انتظرتُ فصلاً جديدًا من حياتي، أولدُ فيه من جديدٍ بلا عُقَدِ.

الحقيقة وراء الستار

ثم أحببت، وبدأتُ فصلاً جديدًا فعلاً مذهلاً حقًا، ولو تجسّدت كلُ لحظةٍ في هذا الفصل، لرأينا تجمهر آلاف الأشخاص، جاؤوا فقط للضَحِك من هذه الساذجة التي ظنّت في الحبِ خلاصها من كل قسوةٍ رأت. في كلِ خطوةٍ خطوتها، أدركتُ كيف أن للحبِ حساباتٍ أخرى، في الحقيقة.. ومآسٍ أخرى! في الحبِ تتعددُ هيئاتٍ جديدة من الألم، ألمٌ لأنه حزينٌ وأنا عاجزة، ألمٌ لأننا في جهتين مختلفتين من العالم، ألمٌ لأنّا أخفقنا هذه المرة في تسوية خِلافنا، وانتصرت الرغبة في الفوز، والكثير الكثير، من الآلام التي لم تكن أصلاً، لولا حضرة الحب.

ولكنّ، عَلِمت أيضًا، كيف يشعرُ المرءُ ورأسه على كتفِ من يحب، كيف تخف وطأة الأشياء، لا تختفي، ولكنها تقل، تخِف، أو تحديدًا وبسحرٍ ما، نصبحُ نحن أكثرَ تحملاً واستيعابًا لها.

وقابلت الحب

يصبحُ اليومُ أجمل في حضرة من نحب، نبدأُ أسبوعًا أفضل، حين نُنهي السابق معًا، نتقاسم الحزنُ فيصغر، ونتشارك الفرحُ فيعظُم. في الحبِ رأيتُ ما لم أجدهُ في شيءٍ مثله، لا البنوة، ولا الأخوة، ولا الصداقة، وفي ذلك يكمنُ السحر. لا شيءَ يعوضنا ذوينا وصحبتنا، ولكن، مِن عينِ المُحب رأيتَني أكثرَ تقبّلاً لُعمري، بحثتُ كثيرًا عن وصفِ أكثرَ وضوحًا، بلا فائدة. يجعلنا الحب، راضين عن عمرنا، عن وجودنا كله.

منذُ ثلاثةِ أعوام، لم أكن بهذا الهدوء، كنتُ ناقمةً على وجودي ذاته أحيانًا، وعلى ما أُعايشُ، وما عايشتُ من خبرات، تلك التي تُغيرُ حياة المرءِ منا للأبد. ولم يتغير ذلك كله، لم يأتِ مرفقًا بعصا سحرية، تلك التي استخدمتها “هيرميونى غرينجر”، لتمسح وجودها من حياة أبويها، تلك التي توقّعت أن يأتيني الحبُ بها، فأمسحُ من ذاكرتي كلُ ألمٍ مرّ قبله، وبالطبع لم يحدث. ما حدث حقًا، هو التصالحِ والتسامح.

صالحت بيك أيامي.. سامحت بيك الزمن

أستطيعُ الآن أن أرؤف بذاتي، أواسيها دون جلدٍ، أفرُغ عليها -مما أعطاني الله- صبرًا على ما قد مضى، أُطمئنها بأن السوءَ الذي واجهناه، قد منّ علينا اللهُ مقابِله ببعضٍ من السكينة، “لتسكنوا إليها”، قد جعلها ربي حقًا! نبدأ عامنا الرابع معًا، وفي دُرجي ورقةٌ تحمل اسمي واسمه بعنوان “قسيمة زواج”، لم أكن أظنُ أني سأقتنيها يومًا.

نبدأُ عامنا الرابع معًا ولا شيء يغمرنا سوى السكينة، أننا وإن اختلفنا وتشاجرنا وتعقّد الخلافُ بيننا، فـ”المهم إننا مع بعض” وكفى بذلك نعمة وفضل. يا نفسي القديمةِ اسعَدِي، لم يصلِحُ الحبُ شيئًا، ولكنكِ الآن غيرَ آبهةِ بشيء سوى صحبته، تلك التي تنسيِك كما تقول الأغنية “إن الدنيا فيها ناس قاسيين”.

المقالة السابقة7 مهارات تساعد على إدارة الوقت بذكاء
المقالة القادمةرحلة الحب
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا