الجمال بين الألم والأمل

1054

بقلم: آية الصادق

أدندن “مربوط بأستك وسط ناس بلاستيك”، صُدفةً -رغم اختلاف سياق الأغنية- مع الشعور التدريجي بالثِقل المُجتمعيّ، بمجرد تصفح تطبيق إنستجرام وما يشابهه، والتفكير في معاييره البلاستيكية، حتى يتراءى لها أمام المرآة ضرورة القيام ببعض الجماليات للحاق بهذا الباترون المثالي.

ما وراء الكواليس

تستحضر ذاكرتي مشهدًا من المسلسل الإنجليزي The Marvelous Mrs. Maisel وعتابي للسيدة “مايزل” صارخة الجمالِ هادئة الملامح في آن واحدٍ، بسبب قيامها بروتين غريب، الاستيقاظ مبكرًا قبل زوجها لوضع الماسكرا، الكريمات، ومساحيق التجميل الوردية، وتصفيفُ خصلات شعرها اللامعة في الأصل، حتى يصحو ولا يجد قيراطًا ناقصًا من حلاوتها المعهودة قبل النوم! فأي شخص عاقلٍ يبالغ في الاهتمام بأرقام وحسابات الأناقة حتى أثناء النوم، السلوك الطبيعي لأي إنسان؟!

الضريبة الوردية

لم تعد معادلة الضريبة الوردية مُقتصرة فقط على التكلفة الإضافية لشراء الماركات الأُنثوية اقتصاديًا، لكن امتدت تِباعًا لتشمل التكلفة المعنوية أيضًا، لأن كونك فتاة في هذه الأيام، أصبح ضريبته المُضافة هي الانقياد لحسابات الجمال.

جرب أن تعطي فنانًا -أو حتى مواطنًا عاديًا- دفترًا وفرشاةً واطلب منه أن يرسم مواصفاته للفتاة المَرغوبة فردًا ومجتمعيًا، ستجد أن أغلب الرسومات لن تضع في الاعتبار بشرةً مُرهقة ذات هالات سوداء، ولا شعرًا مموجًا، ولا ملابس لجسد مُمتلئ، دون ذكر أنه بالطبع مقاس خاص.

كيف تمشي في طريق المانيكان؟

لا مانع في تقمص شخصية المُحقِق هذه المرة، للإمساك بخيوط معايير نظرة المجتمع للفتاة المثالية، فعذرًا يا ديزني؛ الوَحش هُنا هي المعايير ذاتها، القوالب المتشابهة في تجميل الشكل الخارجي، صيحات الموضة الكلاشيهية، التهافت على مستحضرات التجميل المُبالغ فيها لإخفاء عيوب البشرة -الطبيعية أساسًا- واعتبار التجاعيد لصًا لا زائرًا مُطيلاً، ولا ننسى نصائح البلوجرز الخَمس لمظهر طبق الأصل منهن، ليَثقل عداد الجمال الوهمي بعد اختزال الأنوثة تبعًا لهذه النظرة الصماء.

الطفولة.. الجمال.. وأشياءٌ أُخرى

تهانينا.. إنها فتاة” وغالبًا ما يتبع هذه العبارة بالوناتٍ وهدايا ورديةٍ، اممم لماذا الوردي بالتحديد؟ لا أحد يعلم، ولكن تم اعتماد هذا اللون منذ زمن شعارًا رسميًا للرِقة، كما يُعتبر اللون الأحمر رمزًا مؤكدًا للأنوثة الحاضرة، ناهيك بكبسولة الفتاة الرشيقة والشعر الأشقر باعتبارهما مُكملات وبديهيات جَمالية، لكن ما السيناريو -ولو الجزئي- المُخفي عن الأنظار تبعًا لهذه الحالة؟

تجيب “كيت” وهي تواجه أُمِها “ريبيكا” لأول مرةٍ، في حوارٍ صادق من المسلسل الشهير This is Us بأنها المسؤولة عن إحساسها الدائم بافتقارها للجمال الشكلي والجسدي، بطبيعة علاقتهما طوال المسلسل، ففي طفولتها هي القدوة الجذابة ذات العيون البُنيةِ، أصغر مقاس ملابس يلائمها، خاطفةِ الأضواء بأقل مجهود يُذكر. عكس “كيت”، فتبعًا لنظارة رؤيتها لنفسها فهي عادية الملامح، تهرب الفرص منها كما تهرب هي من مظهرها البدين، ولا تدري ما الخلل بالتحديد في توليفة الجمال لديها، ولكن حل تلك الأحجية ببساطة عند أمها، إذا أخبرت طفلتها من البداية، بأن للجمال وجوهٌ عدة.

قاموس جمالي تحت الإنشاء

حقيقةً لا أدري متى يحين الوقت المناسب لتحويل مسار مفهوم الجمال، من الصورة النمطية، واستبدالها بالصورة المنطقية، واعتبار الرسالة المُجدولة لنا كفتيات -رغم وصولها مُتأخرةً- أن الجمال هديةٌ ربانية، مُستمدةٌ من الشعور الحسيّ، وليس العكس، بالاعتبار الأوحد أننا خُلقنا مُختلفاتٍ قلبًا وقالبًا، فكل أُنثى صغر عمرها أو كَبر، تحيكُ بنفسها خيوط جَمالها الاستثنائي بطبعه، لتنسجَ مظهرًا خصوصًا خُلقيًا لا يُعكره شائبةٌ زائفةٌ.

فبعد إطفاء الأغنية بمجرد الإشارة لـ“مستر بومباستيك”، فكرت لمَ لا نقوم بتمديد قاموس الجمال ذاك؟ ليلتقط الرادار إشارات لمفاهيم أكثر اتساعًا، فنجد أن الأمومة جمالٌ، والذكاء جمالٌ، والصدقُ جمالٌ، واللُطف جمالٌ، والخجلُ جمالٌ، وكل ما يعول عليه من بذور الخِفة الأنثوية شجرٌ مُزهر مصيره الجمال الحتمي.

اقرأ أيضًا: حقائق مرعبة عن تاريخ الجمال والألم

المقالة السابقةولنا في حكايات الآخرين حياة
المقالة القادمةربما حلاوة القهوة في مرارتها
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا