ربما حلاوة القهوة في مرارتها

1566

بقلم: آية إبراهيم

قلب أخضر يسألني عن حال قلبي، هل سيظل أخضر كما عرِفه؟ أجيب بأنني أتمنى، لأكتشف بعد أيام قليلة أنه لن يحدث.

كنت أعتقد أنني سأبقى على حالي كما أنا، شخص يميل للثبات والسكون، لا أقبل التغيير بسهولة، أتشبث بأفكاري أكثر من اللازم، أبذل جهدًا كبيرًا لأحتفظ بطباعي الحُلوة وبقلبي الأخضر، على حد وصفه. تُسعدني أشياء بسيطة، ولا يروق لي افتعال المشكلات أبدًا، لكنّي أقف كثيرًا عند أشياء لا تستحق الوقوف عندها، وهنا تكمن المشكلة، ربما توّهمت أنه الوفاء، وقطار الحياة أسرع بكثير من أن ينتظرني لأدرك وأنضج وأتقبل التغيير وأنني رغم معرفتي بهذا، لا أستعجل الفهم أبدًا.

اتغيرت شوية شوية

ثم تأتي الأزمات لتغيرنا رغمًا عنّا، ليس بالضرورة أن تغيرنا للأسوأ، لكني لستُ من الذين يمكن أن يتقبلوا هذا التغيير بسهولة، الأمر أشبه بعملية حسابية مُعقدة، تستغرق وقتًا للوصول إلى الإجابة الصحيحة. الفرق هنا أنه ليس هناك إجابة صحيحة، فقط أن تصل إلى الحل الأنسب، والأنسب هذا لن يبقى طويلاً، لأنه مناسب فقط لمرحلة واحدة تقف عندها الآن، هكذا يحتاج الأمر طوال الوقت إلى مرونة وسرعة بديهة تشبه طرق حل المسائل الرياضية، التي لم أكن أفضلها كثيرًا أثناء دراستي. الآن تبدو لي الحياة كلها وكأنها معادلة حسابية معقدة، وأنا لم أكن أحب الحساب، وقلّما وصلت للإجابات الصحيحة بسهولة، أدرك أنني طوال الوقت أحتاج إلى جهد مضاعف، مرة للفهم، ومرات أخرى للوصول إلى الاختيار الصحيح وردات الفعل المناسبة.

اتغيرت ومش بإيديا

بدأت الأيام في تغييري، وبداخلي طفلة عنيدة ترفض الفهم وتتمسك فقط بما كانت تعرفه، والحياة تشبه مُدرسًا يفتقر المرونة، “إن لم تفهم الدرس بهدوء.. ستفهم بالقسوة”. في محاولة مني للفهم أدركت أنني سأدفع ثمن هذا الإدراك أكثر مما أتوقع، ربما أتخلى عن أشياء لم يكن في اعتقادي أنني سأفعل بها أبدًا، ربما أصير أوحش وأغرب قليلاً، الآن أود استبدال قلبي بآخر أكثر صلابة وأقل مبالاة، لا يتعلق بالأشياء، يجيد الاستغناء الحقيقي لا التظاهر به فقط، أشياء أحتاجها لتصبح الحياة أسهل عليّ، ولتمر الرحلة بأقل خسائر ممكنة.

ربما حلاوة القهوة في مرارتها فعلاً

ربما سأستبدل ملابسي ذات الألوان المبهجة بأخرى داكنة، أو يصبح الأسود لوني المُفضل لا الوردي، سأكره الرمادي للأبد لأنه -رغم أناقته- لم ينفعني أبدًا، وبعده سأتوقف عن البحث عن حلول رمادية، وأستبدل شعوري المائع أحيانًا بآخر محدد وواضح، يبدو لي أن الأمور ستسير هكذا، بعد أن استغنيت عن وضع سكر على قهوتي والاقتناع بمرارتها، واختياري للشوكولاتة الداكنة قليلة السعرات الحرارية، لتقليل الضرر الواقع على جسدي من الإفراط في تناول السكريات، لأدرك أن في الحياة اختيارات حلوة كثيرة، لكنها قد تكون مضرة، وأخرى مُرة أو أقل حلاوة لكنها تناسبنا، ولا تبدو المفارقة بعيدة بالنسبة لي.

إزاي أنا أختار لروحي طريق

اختبار سن العشرينيات ليس بسهل أبدًا، يربكني أنني دائمًا في حيرة من أمري، أريد الأشياء وأضدادها، أتعامل مع أفكاري الجديدة على أنها ضيف ثقيل، قد تصيب تجارب العشرينيات وقد نندم عليها بعد سنوات قليلة، أفكار مُحبطة تلوح في أفق عقلي، تمنيت لو أنني أمتلك من البصيرة وروح المجازفة ما يكفيني من اتخاذ القرارات عن اقتناع، لكنني في أيامي العادية أتردد كثيرًا، أخرج أم أبقى في بيتي؟ ماذا أختار من قائمة الطعام؟ أين يمكن أن أذهب وأكون سعيدة؟ هل أقترب من شخص أود الاقتراب منه؟ ماذا إن ندِمت؟ ولم تكن المشكلة قط في الاختيار نفسه.. كانت المشكلة تكمن في أن التردد جزء من يومي، كثيرًا ما يستنزفني، وأكثر ما حاولت التخلص منه، والأغرب أنني لم أعرف مصدره في حياتي حتى الآن، على كل حال الآن أدرك -وأول طريق التعافي الإدراك- أنني سأتخلص من التردد يومًا.

خوض معركتها زي جدك ما خاض.. صالب وقالب شفتك بامتعاض

أتأملني بعد الخسارات، فأجد أنني لا أجيد التعامل معها، كطفلة تدبدب في الأرض بعد رفض طلب لها. تمنيت لو كنت أكثر تأدبا مع القدر ومع الأشياء التي فقدتها وفقدتني، ومع الأشياء التي انتظرتها ولم تأتِ، ولم أقوَ على التحمل، لو أفهم الدروس من الخسارات دون نوبات اكتئاب حادة، دون امتعاض وتفكير شديد ومضاعفات جسدية، لكني لا أختار أن أكون رفيقة بنفسي، ألومها طوال الوقت، وألوم الأيام والأحداث، وهكذا أدركت أن عقلي ذا ثلاث وعشرين عامًا لم يفهم الدنيا بعد.

الآن وبعد أن استنزفتني بعض الأيام في حروب كانت تضج داخلي، أعقد هُدنة مع نفسي، ومعاهدة صُلح، أعاهد نفسي بعدها أن أجاهد من جديد، لأدرك الأمور دون “دبدبة” في الأرض، وأتصالح مع خساراتي ليتبقى بداخلي ما يجعلني أنتظر مكاسبي بلهفة وأقدرها وأمتن لها، دون أن ألتفت للوراء، وأحاول أن أستعيد سلامي النفسي مرة أخرى.

خوض معركتها زي جدك ما خاض.. صالب وقالب شفتك بامتعاض.. هي كده متنولش منها الأمل.. غير بعد صد ورد ووجع ومخاض.. وعجبي! – صلاح جاهين.

اقرأ أيضًا: كيف لعام واحد أن يحمل كل هذا التغيير ؟

المقالة السابقةالجمال بين الألم والأمل
المقالة القادمةAnne with an E: الحالمون يغيرون العالم
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا