هل أنا بخير؟

998

بقلم: ياسمين غبارة

هل أنا بخير؟ أبدو بخير. أحاول أن أكون بخير.. أعلم يقينًا أن الله يخبرني بكل الإشارات أني سأكون بخير. أشعر به يقول لي “فقط أكملي الطريق”، ولكني أيضًا كثيرًا ما أشعر بأنّي غائبة عن الوعي، حتى وأنا أتنفس وأحيا وأتكلم. أفتقد إلى شخص ما يُحدثني عمّا بداخلي. أعلم جيدًا أن من وجد الله وجد كل شيء، وأعلم أيضًا أن من يذكر الله هو ونسان، ولكن يبدو أني لم أصبح أهلاً لذلك بعد! أو أن هناك ذنوبًا تحجبني أو ضيق أفق يُعيقني عن أن ألتحم مع الملكوت في جلسات ونس أبدية.

ذهبت يومًا مع أمي إلى أحد الكافيهات، اخترت مكانًا أرى منه السماء، جلسنا ثم سمعت أصواتًا متداخلة عالية وضحك متحرر من الهموم. التفتُّ لأجد مجموعة من الفتيات يجلسن معًا في لقاء، يبدو أنه لم يحدث منذ فترة، تبدو كل واحدة منهن وكأنها تسربت من مهام حياتها اليومية واختلست عنوة بضع ساعات تلتقي فيها بصديقاتها، أو بالأحرى تلتقي بنفسها التي تفتقدها، وتجد جزءًا منها بينهن.

ظلّت عيناي معلقتين بهن لبعض الوقت، ثم نظرت لأمي وقلت: “أتعلمين أني لا أتمنى جلسة مثل هذه! ولا حتى أشتاق إليها!”، ثم نظرت إلى اللا شيء وأنا أتعجب من نفسي وأتساءل: أليس من المفترض أن أكون سعيدة إذا ما حظيت بتلك التجمعات مع صديقات الطفولة والصبا؟! ثم نظرت لأمي وقلت: “لا أقوى يا أمي على مثل تلك الجلسات، فهي عبء نفسي غير عادي. في ماذا سأتحدث معهن؟! هل أتحدث عن ما نفعله في أيامنا؟ ألا يكفي أننا نقوم به؟ فلماذا نتحدث عنه أيضًا؟! ما هو الممتع في ذلك؟! قالت لي أمي بابتسامة تتأرجح بين الإشفاق والتعجب: “لماذا إذًا لا تبحثين عن أصدقاء من نفس مِزاجِك؟ ألا تحبين القراءة والكتابة؟ ابحثي عن من هم مثلك وتستطيعين أن تتحدثس معهم في ما تحبين”.

فعلت.. حاولت.. ولكني أيضًا شعرت بنفس الشعور، فمن يكتب ليس كالذي يكتبه، ومن يقرأ ليس هو الكتاب الجميل الذي يقرؤه. أنا أحب الكتب، وأخشى أن أقترب كثيرًا من صانعيها، وليس من المفترض أن مجموعة من الناس يحبون الشوكولاتة أنهم سيتفقون كأصدقاء. ولكني لم أقل لأمي كل ذلك، إنما فقط صدّقت على كلامها وأشرت بالإيجاب “ممكن”. قلتها ثم نظرت للأفق البعيد وأنا أُناجي توأمًا لروحي في مكان ما، حتى وإن كان رائد فضاء. هربت بعيني بعيدًا عن تلك السماء الواسعة التي تأخذني إلى ما لا نهاية له.

لا أريد لتلك الفكرة أن تسرق عمري. لا أريد الموت وأنا شاردة في وهم الحياة البديلة. أغمضت عيني أبحث عن إلهي في داخلي. فيا ربي أنا أحاول أن أسير بخطوات تقودني للنور، ولكن كل ما أحتاجه هو رفيق لتلك الغربة بداخلي، وإن لم يكن ذلك في قدري، فارزقني يا ربي أن أرافق غربتي وأتعامل معها بتلك السلاسة التي يُطلقون عليها التقبُّل أو التسليم.. وقل لي دائمًا “أنتِ بخير”.

اقرأ أيضًا: بقلبي قبل أذني: ماذا تعلمت من الاستماع للغير؟

المقالة السابقةرواية العطر: حين تكون الكتابة ضرب من الجنون
المقالة القادمةالونس
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا