بقلم: نانسي وجدي
عمرك صحيت من الوجع؟ الجملة ممكن تتاخد بالمعنى الحرفي والمعنى المجازي. يعني ممكن حرفيًا تصحى من وجع ما في جسمك، وممكن تشعر بألم يخليك توعى أكتر لحاجة جواك أو براك. كلمة “وعي” لها أكتر من معنى. لما بنقول فلان “مش في وعيه” فهنا مثلاً بمعنى إنه مش داري عمومًا أو فايق. وفيه وعي إنك تبقى حاضر مع اللي بيحصل حواليك، فالمعنى السطحي البسيط إنك فايق أو صاحي، والمعنى الأعمق إنك بكامل إحساسك مستوعب وفاهم وحاسس باللي بيحصل.
وكل حاجة من دول بدرجة قد تختلف عن التانية. ممكن تفهم حاجة بس تحسها بدرجة أقل، أو العكس، حاسسها وي بس مش فاهمها كفاية. وغالبًا كلنا بنتشقلب في النِسب دي في التعامل مع أي شيء. حاجة بنشوفها.. حدث بنستوعبه.. حاجة بنتعلمها.. أو تجاه أشخاص آخرين.
ممكن الوجع ياخدنا لحد فين؟!
في اعتقادي هي مسافات وسكك وأبعاد ملهاش حدود، لأن الوعي ممكن ميكونش له حدود. الإنسان إمكانياته أكبر من توقعاته. القوة بداخلنا صعب نتوقع حدودها. الوعي بحاجات جواك.. لو خدنا مثلاً أجسامنا… هات أعتى وأكبر العلماء، لسة موصلوش لفهم كامل لجسم الإنسان أو القدرة إنهم يعملوا زيه.
الوعي بما هو خارجك؟ اللي برانا برضو حاجات كتير ممكن منقدرش نستوعبها بالكامل. عشان كده فيه ناس زي الرهبان والصوفيين ومتوحدين في أماكن مختلفة منعزلة قدروا يصنعوا لهم حياة كاملة وغنية، ومنهم من كتب عنها أو كُتب عنهم. عشان لقوا حياة لا حدود لها. برّاهم وجواهم في نفس الوقت. عاشوا الـ3 أبعاد الأساسية في حياة الإنسان: (علاقتهم بنفسهم – علاقتهم بما خارجهم من أشياء / مخلوقات أخرى – علاقتهم بالله “القوة العليا/العظمى”).
اقرأ أيضًا: محاولات متتالية لإصلاح عطب الروح
طب السكك اللي بتختارنا ولا إحنا بنختارها؟!
سؤال صعب. بعتقد إنها الاتنين. فيه حاجات بتحصل ساعات مش باختيارنا، بس في وسط الطريق أو في مراحل مختلفة بيبقى متاح لينا إننا نختار السكة أو بين سكك مختلفة. بنختار نشوف التجربة إزاي، ونمشي في أي اتجاه. مع المزيج/ الخليط الداخلي بتاعك الشخصي جدًا جدًا من تجارب سابقة وجينات وبيئة مؤثرة وتربية وحاجات كتير، اللي بيكون أكيد له تأثير على توجهاتك واختياراتك. بس بتفضل تجربتك متفردة تمامًا.
وزي لما بنصحى دايمًا في النور وننتقل من ضلمة ليل في نومنا لنور جديد الصبح أو للنور عمومًا، نفس الشىء بيحصل مع الألم، بياخدنا من الجانب المظلم فنبتدي نوعى فيكون نور. طبيعي يبدأ الوعي من ظلام. ينبت في الجذور في الطين والوحل، وبعدين لما بيتغذى الجسم ويتعرض للشمس والنور (سكة تعافي) ويكبر ويبقى شكله جميل، مع إن هو هو نفس الكائن الصغير اللي كان مدفون.. في كينونته هو واحد في ذاته، ولكن مرّ بمراحل مختلفة ليصبح ما هو عليه.
مفيش نبتة بتكبر بين يوم وليلة. ومفيش حد بيوعى أكتر بتجربة واحدة أو في فترة قصيرة. فيه مشوار شخصي طويل ومراحل كتير، وكلنا بنمر بده في حياتنا بالتجارب المختلفة اللي بنتعرض ليها وبنخوضها. فالوجع اللي إنت النهارده ممكن تكون فيه عمره ما هيكون نهاية مطاف. دي محطة في وسط السكة. يمكن نومة أو ممر بس بتمر منه مؤقتًا. فيا ريت تنتهز الفرصة لو تقدر، ومتسيبهاش تعدي من غير ما تستفيد. عشان بكرة تطلع للنور وتتغير وتحكي لغيرك عن رحلتك الخاصة، لو الوجع حاول يصحيك انتبه واسمع له شوف عايز يقول لك إيه.
اقرأ أيضًا: تأملات في كتابيّ “التعافي وحب الله” و”الروحانية والتعافي”