٢٠٢٠: عام الدروس الصعبة

1749

شهرين تقريبًا من بداية الأزمة، الزموا بيوتكم الشعار اللي أعلنوه، وبناء عليه التزمنا بالبيت. فاكرة إن دي المرة التانية في حياتي اللي قعدنا في البيت بأمر من الحكومة. المرة الأولى كانت أيام الثورة لما فرضوا حظر التجول بمواعيد محددة، كنت أيامها مخضوضة من فاهمة حاجة. عدت الأيام وافتكرت إني مش هعيش تاني أحداث استثنائية، لحد من شهرين لما منظمة الصحة العالمية أعلنت فيروس كورونا وباء عالمي، الكلمة نفسها خضتني جدًا. وباء عالمي في مخيلتي مرتبطة بصورة ذهنية معينة، اللي هي أرض غامضة واسعة وفيها ييوت مهدودة لونها رمادي والسما غامقة وصورة ناس قليلة لابسة هدوم متقطعة، معقولة أنا هعيش الأيام دي!

خرجت مرتين ببنتي في الشهرين دول، مرة منهم كانت عشان لها تطعيم لازم تاخده، كان عندي خوف أو بالأصح وسوسة من كل حاجة حواليا ومن كل حد اتعاملت معاه، دراستي لطبيعة الفيروسات أيام الجامعة مع شوية قراءات اليومين دول خلوني ماشية وكأني شايفة الفيروس حي مجسم قادرة ألمسه، رعب حقيقي يعني.

بداية الأزمة

طول عمري بحب اللغات وبحب أدرسها وأشرحها ومؤخرًا بقى عندي هوس في فهم الأطفال ونفسيتهم، مكنتش عارفة الإمكانيات دي ممكن تخليني أشتغل إيه، لحد ما بالصدفة البحتة في بداية السنة لقيت شغل، شوية ولاد محتاجين حد يذاكر ويشرحلهم. أخيرًا بعد سنة في البيت لقيت شغل مناسب لظروفي وإنه متاح إن “ماريا” تكون معايا. بدأت بحماس شديد وبعد أقل من شهر تم الإعلان على وجود فيروس كورونا، وعليه قررت إني أقعد في البيت تاني.

في الأول مكنتش مستوعبة، كان جوايا جزئين بيتخانقوا. الأول حالة شبه الإنكار والتاني خوف وقلق خصوصًا على “ماريا” وإن باباها شغال في المجال الطبي.

بعد شوية الزهق بقى بطل المرحلة، قاعدة في البيت باستمرار غالبًا مفيش تواصل مع حد ومعايا طفلة عمرها سنة بدأت تزهق هي كمان وعاوزة تلعب وجواها طاقة، تغضب وأنا أتعصب وبعدين أحاول أهدأ، ألعب معاها شوية وبعدين أتعب.. وهكذا ونفضل في الدايرة دي. دائرة من الإحساس بالذنب، بدأت حاجة تانية تحصل معايا وهي إن فجأة بقيت أفتكر حاجات مش حلوة حصلت معايا من زمن، والمفروض إنها خلصت خلاص، كمان مبقاش عندي شغف بالحاجات اللي بحبها زي الكتابة مثلاً. عدم فهم إيه اللي بيحصل ليَّ من جوايا واستغراب من طريقتي في التعامل مع الأزمة كانوا سبب كمان بيزود التعب النفسي اللي أنا عايشاه.

الاعتراف بالأزمة

خلاص الأيام بتفوت وبدأنا نفهم إنه أمر واقع لازم نتعامل معاه، كانت البداية إني بدأت أقرأ وأفهم عن حالتي الداخلية، وكانت الطمأنينة الربانية لما عرفت إن اللي بمر بيه حالة طبيعية وصحية كمان بسبب الأزمة، وحاولت أتعايش بمبدأ “مقامك حيث أقامك”، خلاص ما دام القعاد في البيت إجباري يبقى تتعايش مع الوقت الفاضي وعدم القدرة على الخروج ونخترع وسائل للترفيه والمساعدة على تقضية الوقت بأقل خسائر نفسية ممكنة، ولو قدرنا نحقق استفادة يبقى خير وبركة.

طرق التعامل مع الأزمة

“البنت مهما كبرت حتى لو بقت وزيرة هيفضل مكانها الأول المطبخ وإنها تربي عيالها وتشوف طلبات جوزها”، الجملة دي واحدة من جمل سيئة أنا اتربيت عليها، وأعتقد إنها كانت سبب رئيسي في إني أكره المطبخ، حتى لما اتجوزت واضطريت إني أطبخ بقيت أعمل أكل تقليدي جدًا وأجري من المطبخ، كان فعلاً وقت تقيل على قلبي وروحي، واللي طبعا نقحت عليَّ الفترة اللي فاتت دي.

“لازم تدوري على أي نشاط أو أي حاجة وإنتي بتعمليها تاخدك جواها بكل تفكيرك، عشان متفكريش في اللي فات وتقدري تتغلبي عليه”، دي كانت نصيحة سمعتها من أكتر من حد لما اشتكيت في ذكرياتي اللي فاتت، بس يا ترى إيه النشاط ده؟

بحكم الوقت الفاضي ومتابعة فيسبوك وجروبات الأكل اللي كل شوية بيطلع هوجة فيها، “بسكويت العشر دقايق” كان واحدة من الهوجات دي، حاجة مكوناتها كلها عندي ووقت فاضي وقلت أجرب، النتيجة بتاعة البسكويت كانت معقولة لكن النتيجة العظيمة كانت السحلة اللي كنت فيها وأنا بعمله، اكتشفت إن الطبخ قدر ياخدني جواه بتفاصيله، أكلة بعد أكلة مع ملاحظة التغيير اللي بيحصل جوايا لقيت إني فعلاً بحب المطبخ وإن الأكل والبهارات والتركيز على ظبط الملح والسكر وتقطيع السلطة على شكل مربعات متساوية والتدوير على طريقة أحفظ بيها الخضرة أطول وقت من غير ما تصفر كل دي تفاصيل بتبسط بيها وبتاخدني جواها وأنا مستمتعة.

وعليه قررت إن المطبخ يبقى طريقة أتغلب بيها على الأزمة، وبقيت أسأل على وصفات وأعملها، لدرجة إني لما كنت أسأل أصحابي كانوا بيستغربوا جدًا في الأول.

دروس 2020 حتى الآن

في أول السنة كنت كاتبة أهداف عاوزة أعملها السنة دي، وكنت راسمة مخطط معين، لكن الله رسم مخطط تاني خالص لـ 2020 مكانش ييجي في بالي أصلاً، بالرغم من كده هفضل فاكرة إن 2020 السنة دي اكتشفت إني بحب التعامل مع الأطفال أكتر بكتير من الكبار، حتى لو وقعت في بعض الأخطاء معاهم وحتى لو كانت فيه حاجات صادمة. مثلاً لما كنت بخليهم يختاروا العقاب لما بيغلطوا من غير ما أديهم اختيارات، كان معظم الأطفال بيختاروا الضرب كوسيلة للعقاب! وهفضل ممتنة للسنة دي إني عرفت عن نفسي إني بحب الطبخ.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

مسلسلات رمضان 2020: ما كل هذا الملل والفيلر؟!

المقالة السابقة10 كتب وروايات خفيفة تجعل الإجازة مختلفة
المقالة القادمةمسلسل البرنس: الشر لا يأتي من العدم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا