بقلم/ جهاد محمود
بعد أن عثرنا عليهم ووثقنا بهم.. وبتنا نرى الدُنيا أرحب والسماءَ أصفى والهواءَ أنقى والطعامَ أزكى.. يتغيّرون.
بعد أن زرعوا الثقة في أنفسنا ومنحونا شعور الأمان وأشبعوا أسماعَنا وأرواحَنا.. يتغيّرون.
يتسللون برفق إلى دواخلنا.. نكاد نُجزم أننا لن نجد بديلاً عنهم ولو طُفنا هذه الدنيا.. ثم يتغيّرون.
فجأة.. يحلُ الانشغال بديلاً عن كل العطايا.. يحزمون أمتعتهم معلنين بشكلٍ خفيٍّ وجبان أنه قد حان الرحيل.. مُخلّفين وراءهم ذكريات تأبى أن تُمحى.. وحنينًا يختلط بالأنفاس.
فجأة.. نجدُ كل الدفء الذي كان يلُّفنا قد تسرّب وأتى الشتاء بكآبته.
أحبابٌ كانوا أو أصدقاء أو أقرباء أو زملاء عملٍ أو دراسة.. فلا مفر من مُسلَّمةِ التغيّر في حياتنا.. مُعلنةً لنا عن سوء اختيارنا وحسن ظننا المفرط من البداية. سنواجه التغيّر حتمًا في كل مراحل حياتنا، آسفين مُضطرين لتحمل تبعاته.
تُرى؟ لماذا نتغيّر عندما نُسافر؟ أو نتزوّج؟
عندما نتقلّد مناصب أعلى؟ أو نجني زيادةً من المال؟
أو حتى عندما نلتقي أشخاصًا آخرين؟
الأسئلة التي يجدر بنا التفكير فيها بعمق والإجابةَ عليها:
هل تغيّروا أم توقفوا عن التمثيل؟
هل هذا التغيّر مؤقت أم دائم؟
فإذا كانوا يمثلون ببراعة والتغيير صار دائمًا، فذلك لاحتمال وجود “حاجة في نفس يعقوب قضاها”.. وإن كان التغيير مؤقتًا فربما يمرون بضائقةٍ ما.. أفقدتهم حفظ التوازن في علاقاتهم.
لكن ما الذي علينا فعله حيال تغيّرهم معنا؟
هل هنالك سبيلٌ لحلّ ومواجهة المشكلة معهم؟
أم أن الخيار الوحيد هو تفادي ذلك فيما بعد؟
في رأيي.. إن مواجهتك لهم والقدرة على تقبُّل التغيّر تعتمد فقط على قوة شخصيتك وقدرتك على التحكم في عواطفك.
أما لتفادي ذلك فيما بعد.. ما عليك إلا وضع مسافة أمان بينك وبين الآخرين.
أن تكون بين بين.. بين الشك والرجاء.. بين الحذر والثقة.
حيث إن مسافة الأمان تلك تسمح لنا بتقبُّل التغيّر والفقد.. وتدعنا نودعهم بثقة غير مثقلين بالأوجاع ومفعمين بالحزن.. ونوفّر على أنفسنا تساؤلات لا طائل منها.. وكمُّ خيبةٍ لا فائدة منه.
ولكننا للأسف لا نلبث إلا أن نسلّط الضوءَ على أخطاء الآخرين.. ولا نلوم أنفسنا ولو لبرهة عما فعلناه تجاه بعض المقربين منّا.. فالقلب ما سُمّيَ قلبًا إلا لتقلُّبه.. وهذه سنة الحياة.