بقلم/ مروة محمود
“الرجاء ربط الأحزمة؛ الطائرة على وشك الإقلاع”.
من أكتر الجمل المحبوبة لأذني سماعها.. ولم أعلم إلى الآن سبب هذا العشق.
كان لديّ صديقة ألمانية عربية الجنسية تجولت العالم كله، قالت لي في يوم من الأيام “ربنا ما يكتب عليكي الغربة” وكانت هذه الدعوة لم تلقَ نصيبًا، لأنني دومًا أشعر بالغربة على أرضي، وأتمنى الغربة الفعلية وأسعى إليها.
في كل مرة أجلس جوار نافذة الطائرة سواء ليلاً أو نهارًا أو فجرًا، تكاد عيني تدقق في شيء ما ربما لم أره مطلقًا ولكنني أبحث عنه دومًا، وكأني ألتقط صورًا مبهمة بعيني، صورة لمكان ما، ربما حلم معلق أو رغبة غير محددة، أو شيء ما طال انتظاره، أو لقاء مستحيل.
رغم كل ما تملكه الطائرات الحديثة من وسائل ترفيهية تأكل الوقت المملل الممزوج بالقلق والرهبة والأمل معًا، لكني لا أجد منها وسائل مجدية لاستهلاك وقتي لانتهاء رحلتي.
أجد التأمل من نافذة الطائرة أكثر من مشوق، ذهني وجسدي ربما يذهبان إلى عالم آخر مع كل نظرة تأمل للسحاب، ماذا لو كنت طائرًا؟ هل كنت مللت من الطيران أم رفضت ملامسة الأرض ومعامله البشر؟
هل كل ما يحلق بعيدًا يكون بعيدًا؟ ماذا يوجد في الفضاء مختلف عن الأرض؟ لماذا لم نُخلق بخاصية الطيران الذاتي؟ كلما مللنا من أرض نسبح في السماء.
تطاردني دومًا مع الأفكار الخرافية تلك أفكار سلبية، ماذا لو فقد قائد الطائرة السيطرة عليها وسقطنا جميعًا؟ أحقًا حياتنا مرهونة بأخطاء شخص ما؟!
معظم الناس يكرهون ركوب الطائرات، يسمونها المجازفة والأمر غير المحمود عواقبة. أتذكر خوف جدتي من ركوبها، وعن كمية الأذكار والمحصنات التي لا تفارق جوارحها، وأن كم من أناس فقدوا حياتهم في رحلة طيران.
أتذكر هلع بعض أصدقائي المضيفين على متن أفخم طائرات العالم، وفي كل رحلة يرددون على مسمعي “ربما تكون الرحلة الأخيرة”، وأنهم في كل رحلة يواجهون مخاوفهم بكل شجاعة، أو بمجرد النظر في السماء لبضع دقائق.
نوافذ الطائرة لم تصنع عبثًا، إنما هي مصنع للأفكار السلبية منها والإيجابية والمجنونة دومًا، لا تجعل ثرثرة الجالس في المقعد المجاور لك في الطائرة تلهيك عن التأمل مع نافذة الطائرة.. اطرد أفكارك السلبية والنمطية عن الطيران بصفة عامة والموت بصفة خاصة. اجعل النافذة مفتوحة، اجلس بجوارها، اسبح معها، واتركها تأتي بالمبتكر والأمل والحياة الجديدة والعلم والخبرة المستمرين، ربما نظرة للسماء تغير منظورك في الحياة.