ميراث الحياة: هل نتقبل اختلاف أولادنا عنا؟

850

بقلم: ياسمين غبارة

الحياة هي نبتةٌ خضراء تتوارثها الأجيال، نتوارث الأماكن ورسالة الحياة، ونرث ما فعله من سبقونا لنتفاعل معه، لنصلحه أو لنفسده أو فقط لنتركه كما هو، شاهدًا على الماضي، وقد نرث أشياء أخرى بداخلنا ممن هم إلينا أقرب (أهالينا)، وهنا يكون الموروث أجمل وأخطر، فنحن  لا نرث من أهالينا فقط العقارات أو الأموال، وإنما نرث أيضًا المشاعر والأحلام والطموحات والإحباطات، نرث أعمارهم، تجربتهم، أنماط سلوكهم.

هل أبناؤنا امتداد لرحلتنا في الحياة؟

ينظر الأهل إلى أبنائهم على أنهم امتداد لهم، يحيطونهم بتجربتهم الخاصة ورؤيتهم للحياة، أحيانًا يحمّلونهم عبئًا، يلبسونهم ثوبًا لا يليق بهم، ويطمسون وجودهم وبَصْمَتهم الخاصة نتيجة ذلك. هل أبناؤنا هم امتدادٌ لرحلتنا في الحياة، أم هم رحلةٌ منفصلة تمامًا؟ رحلة  مليئة بالتخبط والتيه ومليئة أيضًا بإنجازات لها شكل ومفردات مختلفة قد لا يجد الأهل لها أي نوع من أنواع التفسير.

ماذا بالضبط الذي ننتظره من حياة أبنائنا؟ لماذا نقتلع أحلامنا من حياتنا ونزرعها في حياة أبنائنا؟ هل يمكن أن تزرع أرض غيرك؟ حتى من يزرع أرض غيره يظل هناك نزاعٌ باطنٌ وظاهر حول إلى من تعود إليه هذه  الأرض فعلاً، هل هي أرض المالك الحقيقي لها، أم أنها أرض من يزرعها وينفق جهدًا ووقتًا في رعايتها، هل تنتظر حصاد حياة ابنك وابنتك لأنك أنت من زرعت وأغدقت العطاء؟ هل سنوات عمره لك أم له؟

اقرأ أيضًا: 8 عادات خاطئة ورثناها من أمهاتنا في التربية

حتى لا نقع في ذلك الفخ

كم أشفق على الأهالي الذين يحملون أعمارهم وفوقها أعمار أبنائهم، بكل ما فيها من حلم وهمّ وسعادة ونجاح وإحباط، فينصهر العمران في عمرٍ واحدٍ باهت تغزوه أشباح الحزن والصراع، فقط لأن الأهالي لم يروا ذلك الخط الفاصل في طريق الحياة، الذي كان يجب أن يضعوا أبناءهم خلفه، ويسيروا هم في طريقٍ آخر موازٍ، لا أعلم هل ذلك التداخل بين الحياتين، الذي قد يظهر في رغبة ملحة لأن يستمر الابن في نفس مهنة والده، أو أن يحافظ على نهج والديه في الحياة أو في السعادة، بأن الابن لديه نفس ضحكة الأب ونفس مشيته. هل كل ذلك هو حبٌ نقي أم فيه شيء من أنانية البشر؟! هل أكره -كأم- أن يندثر وجودي وأثري فأظل متمسكة بأن أشاهد نفسي في أولادي وأخوض صراعاتهم معهم، بل وبدلاً منهم في بعض الأحيان؟

هل ننظر إلى أبنائنا بجفوة إذا أصبحوا مختلفين عنا كل الاختلاف أم نتقبل هذا الاختلاف؟

قيل يومًا: “أبناؤكم منكم وليسوا لكم”، فمتى سنفهم أنهم عندما يكونوا منا فهم بذلك أقرب مما إذا كانوا لنا.

أن ترى ابنك عصفورًا طليقًا يغرد ويطير بعيدًا عنك، أم أن تراه بجانبك مكبلاً بقيود الحب والانتماء، هم منّا بداخل أرواحنا ينبضون في قلوبنا وإن ابتعدوا، واختلافهم هو خير امتدادٍ لنا، وبهجة وجودهم هي بهجة الروح التي رزقنا الله بها، يظلون ملتصقين بنا سنوات الطفولة، يفعلون ما نقول، ويرون ما نراه ويشعرون بما نشعر، ثم يلوح ذلك الخط في الأفق.. يبدو بعيدًا، ولكن فجأة، نجد هذا الخط أصبح أمامنا، والصغير الذي في أيدينا أصبح كبيرًا ينظر  مترددًا، فهل سندفعه برفقٍ  ليخطو خطواته في حياته؟ هل سنفلت يديه أم سنظل متمسكين بها بعناد الحب.. التعلق .. والهوى؟

اقرأ أيضًا: عندما قالت لي ابنتي لا

المقالة السابقةليه لأ 2: يونس وقراءة المعاني في أعين الأطفال
المقالة القادمةهل تُقطع المسافات بالأقدام وحدها؟
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا