“اللي هنقبله النهارده عشان المركب تمشي مش هنعرف نقبله بكرة لما المركب تغرق”.. الجملة دي رنت في دماغي بشكل مرعب لما قرأت خبر في الجرنال عن سيدة عمرها 51 سنة انتحرت بعد عزومة بطاطا من جوزها فوق الكوبري الدائري.
التفاصيل مكانتش راكبة على بعضها بالنسبالي، إيه اللي طلع عربية البطاطا فوق الكوبري الدائري؟ وإيه اللي وقف الاتنين فوق مكان خطر زي ده؟ أكيد محبكتش! طيب إزاي لفتة شاعرية جدًا بالشكل ده من زوج عمره 61 سنة، تتقابل بخطوة مرعبة جدًا زي اللي عملتها؟ نفسها هانت عليها إزاي تنط؟ إزاي أخدت القرار فجأة في جزء من الثانية؟ الانتحار عادة بينفذه شباب شايف مستقبله بلا ملامح بسبب الاكتئاب أو الأحداث المؤسفة، لكن دي كانت واحدة من المرات القليلة اللي أسمع فيها عن حالة انتحار لسيدة في عمر كبير نسبيًا مقارنة بأعمار الشباب المنتحرين حسب الإحصائيات* اللي تم رصدها في السنين اللي فاتت.
لكن التعجب راح وحل محله شعور عارم بالقهرة لما بدأت أقرأ التفاصيل المرعبة للحادث، حكايتهم بدأت لما راحوا زيارة لشقة تانية يملكوها عشان يصينوا الحاجات اللي محتاجة صيانة.
الطريق للشقة التانية كان عامر بالخناق والنقرزة. الملفت إن الزوج حكى في تحقيقات النيابة إنه كان بيأنبها في العربية، على إيه؟ على إن ابنهم حلق ورمى شعر الحلاقة في دورة المياه، وده خلاها تتسد وكلفته تصليحات، التأنيب كان تحت شعار “إنتي مهملة في تنظيف البيت”.
أنا وقفت كتير قوي برضو عند النقطة دي. يعني هي من وجهة نظره مسؤولة عن كل حاجة في البيت حتى عن تصرفات الآخرين! في اللحظة دي افتكرت كم المشاكل اللي بقرأها بدون اسم على جروبات الفضفضة عن عمليات المحاسبة اللي بتتم للستات على حاجات خارج نطاق أفعالهم، ابنك وقع ليه؟ أكيد مهملة. جوزك بص برة ليه؟ أكيد مقصرة. فلان عاكسك ليه؟ أكيد لبسك كان مش تمام. وصولاً لمرحلة “ابنك رمى شعره في السيفون ليه؟”.
لكن في حالة السيدة المذكورة -ربنا يرحمها- الموضوع موقفش عند المرحلة دي، للأسف جوزها ضربها جوة العربية. متخيلة الألم اللي نزل على وشها، أو الكتف اللي خدته على غفلة، متخيلة شعورها بالإحراج الشديد قدام باقي الركاب في العربيات اللي جنبهم، خطر على بالي هل كان الطريق واقف والناس اتفرجت ولا كان ماشي ومحدش شاف اللي حصل غير ربنا؟ الأكيد إنها اتقهرت قهرة شديدة، للدرجة اللي خلته يقف ويحاول يصلح المصيبة بعزومة بطاطا. واضح كمان إن مكانش عندها رفاهية رفض الاعتذار، أكيد جربت كتير واتبهدلت “يعني بصالحك ومش عاجبك؟!”. متخيلة الضغط النفسي والانهيار اللي حست بيه قبل ما تبص من فوق الكوبري لتحت وتقرر تنط، بس الموضوع مكانش بالبساطة دي. الست محاولتش ترمي نفسها قدامه وهو شايفها حتى من بعيد. “أكد بائع البطاطا بأن زوجته ألقت بنفسها من أعلى الطريق بمجرد أن أدار لها ظهره” ده نَص تحقيقات النيابة، يعني خوفها كان واصل إن حتى الانتحار مينفعش يتم قدامه ولو من بعيد، لازم كان يديها ضهره عشان تعرف تتصرف.
تحريات المباحث والكلام مع الجيران كشف إنها مكانتش أول مرة يضربها، كل الناس في محيطهم كانوا بيسمعوها وهي بتتضرب وبتتشم وبتتعامل بطريقة مهينة. الكام وصف دول خلوني أتأكد إنها كانت ميتة من سنين كتير، مكانش ناقصها غير شهادة وفاة حقيقية لحياة مش حياة.
ساعات كتير بنكتم في نفسنا، ونفضل نقول معلش ومجراش حاجة، عشان البيت، والأولاد، طيب عشان منظرنا قصاد الناس، هيقولوا طلقها بعد العمر ده كله! طيب هعيش إزاي؟ هصرف منين؟ هروح فين؟ خوف هيستيري من المستقبل ومن الانفصال بيلف بينا في دايرة تفضل تقولنا مفيش فايدة، وفي النص نبدأ نبص على تجارب ناس تانية أسوأ ونردد في سرنا “من شاف بلاوي الناس تهون عليه بلوته” لكن بننسى إن كتر الضغط مش بس بيولد الانفجار، لكن كمان بقى بيولد الانتحار.