طريقة رسم ماندالا للمبتدئين: إليك كيفية رسم ماندالا ملونة بطريقة سهلة

3000

المانديلا كالحياة.. دائرة، تدور نقوشها حول مركزها، ومن النهاية تنبعث البداية لنفس الدائرة السوداء، ولكنهم يزعمون أنها كذلك تهدئ التوتر وتخفف وطأة الاكتئاب، يتمادون أحيانًا ويطلقون عليها فن البهجة.

يأخذنا فن البهجة إلى أعماق عقلنا، ونغرق في التأمل، ربما لهذا السبب كان يجب أن تتوخى “مارينك” الحذر وهي تطلق حملتها لغزل الدوائر الملونة.

أشكال وأحجام وألوان متنوعة تدوٍّن عنها وتشرح لنا بالصور الزاهية كيف نغزلها نحن أيضًا.

من مركز الكون نبدأ، نعقد القليل من الغرز فتتشكل دائرة صغيرة، نبدأ دورتها الثانية بمجرد اكتمالها تمامًا من حيث بدأنا، ننتهي ونكرر الدوران بالإبرة والخيط.

ربما كانت تغير اللون بعد كل دائرة لتشتت ذهنها عن نقطة النهاية، ربما كانت تظن أن حياكة الدوائر الملونة وتكبير حجمها وتزيينها والإبداع فيها سيساعدها ويساعدنا تباعًا على الاسترخاء والأمل في غد أفضل وعمر أزهى وأطول، تمامًا كالمانديلا الكبيرة الملونة التي تشاركنا غزلها.

على مدى سنوات كانت تنقطع عن التدوين لأيام أو أسابيع، ومن ثم تعود بمشروع جديد أكثر إشراقًا، ولكن هذه المرة طال غيابها إلى الأبد.

أغزل الدوائر لـ”وينك”، أختار ألوانًا زاهية وأفكر فيها، أتمنى لها السلام ولي السكينة، أحاول أن أستغرق في العمل تمامًا حتى أصل لنقطة السلام، حيث لا صوت برأسي ولا أرى سوى مانديلا ملونة، ولكنني لم أستطع أن أتأمل أي شيء سوى شعورها باللا جدوى.

قبل رحيلها بدأت “وينك” إعداد بطانية دافئة من الصوف، كل وحدة فيها مليئة بالنقوش والتفاصيل والأمل، في وسط انشغالها دوَّنت لنا أنها ستختلي بنفسها لأنها بحاجة لأخذ بعض القرارات. قلت في نفسي ستعود ربما خلال أسبوع بمشروع مبهج جديد.

كانت قد خرجت من مصحة نفسية قريبًا بعد أن تحسنت حالتها، كان كتابها الثاني على وشك الإصدار، كل مشاريعها مبهجة، أغطية مزخرفة ودوائر زاهية، أوشحة ملونة.

كنت أشعر أنها تتعافى، ظننت أنها أسابيع قليلة تفصلنا عن مشروعها القادم، الذي غالبًا سيوضع على قائمة الأشياء التي أرغب في تنفيذها.. ولكنها لم تعد أبدًا.

هل نظرت “وينك” لمركز المانديلا ورأت كل الطرق متساوية وتوصل لنفس النهاية، وأنها ستدور وتتحسن، وتكتئب فتتحسن، ثم تنتهي الدائرة يومًا ما بإرادتها أو رغمًا عنها، دون أن تستطيع يومًا إبعاد ذلك الشبح عنها؟

نخرج من نوبات اكتئابنا بعزم على التحسن وإقبال على الحياة، يشبه حماس الشباب تجاه العام الجديد، خطط وأفكار وطموحات وتفاؤل يُشعِر من حولنا أننا بخير، لا أحد يسكن عقولنا ولا أحد سيسمع ذلك الضجيج بداخلنا.

الاكتئاب دومًا يعود لينقض علينا بشبحه الأسود، ويسيطر صوته على صوتنا، ويعلو فكره على جميع أفكارنا، تمر نوباته بسلام أو بأقل الخسائر أحيانًا، ولكن الكثير منا لا يرى الضوء مجددًا بعد نوبة اكتئاب شديدة.

أتساءل.. هل نفدت منها الألوان أم أنها في أعماق عقلها لم تكن ترى سوى الأسود؟ أتخيل المانديلا الأخيرة، استغراقها في أنها من حيث تنتهي تبدأ، فتغير فورًا اللون لتطرد الفكرة وتعود أدراجها لنقطة الصفر، البداية والنهاية، فألهمتها القرار الذي غادرتنا لأخذه؟

كانت “وينك” تقول “الكروشيه ينقذ حياتي”، خلال نوبات اكتئابها، مكوثها في المصحة أو تعافيها لم تكن الخيوط تفارقها، كانت تغزل لتطرد الشيطان. هذه المرة خيَّب الكروشيه أملها ولم ينقذها أحد.

امتنعتُ عن الغزل عامًا بعد أن رحلت، فأنا أيضًا أضع مخاوفي حول الإبرة وأحيك أفكاري أمامي لأطردها من عقلي، وأراها شيئًا دافئًا وجميلاً.

نقلت أختها خبر انتحارها إلى متابعيها، كالعادة اندهشنا وصُدِمنا لأنها رحلت، لم يفكر أحد في أنها ربما لن تعود أو أنها قد تكون بحاجة إلى المزيد من الدعم لا الوحدة، كجميع الأصدقاء والمعارف الذين مروا بتجربة الانتحار. بعثت “وينك” رسائل استغاثة ولم يقرأ أحد ما كُتِب بين السطور، وغادرت وحيدة، رغم وجود حبيب وعائلة وأصدقاء ومتابعين كثر حولها.

بعد رحيلها دشَّن مجتمع الكروشيه هاشتاج للتوعية بمرض الاكتئاب ولإحياء ذكراها. وشهور طويلة مرت قبل أن أشارك، كيف لي أن أنسج دائرة هي مصدر رعبي وحيرتي.

ثم بدأتُ مانديلا باللون الوردي والأبيض، كنت أفكر أن ربما هناك ما يستحق أن نلون الدائرة لأجله، ربما كانت “وينك” تغزل دوائرها من أجل آلاف الأشياء التي لم تجربها بعد، ألحان ستسمعها، أفلام ستشاهدها، وأصدقاء سترقص معهم حتمًا مئات المرات. قد تكون تشعر بالرغبة حقًا في وضع نقطة بآخر السطر، ولكنها تستبدلها بفاصلة منقوطة، وتغزل سطرًا جديدًا في الدائرة، لحبها في الحياة. ربما كانت المانديلا أبهى صور المقاومة بالنسبة إليها، فقاومت قدر استطاعتها.

خلَّفت “وينك” بداخلي خوفًا قد لا يستطيع الكروشيه علاجه، قلقًا على كل غائب وألمًا مضاعفًا على كل مكتئب. غادرت عالمنا وأنا أشعر بالنون تجمعنا مرضى الاكتئاب وكأننا جميعًا في مركب واحد، من يذهب اليوم سيضعف الباقي، وربما يخلف وراءه أكثر من فراق.

“مارينك” غادرت ولكن ذكراها لم تغادرنا، فأكمل أصدقاؤها آخر مشاريعها التي لم تستطع العودة لإكمالها.

الآن أشعر بالقليل من الراحة، فأنا لست بحاجة للتفكير في ديلمة الدوائر، لأبعث لروحها السلام اليوم بخيوط الصوف، سنغزل غطاءً دافئًا ربما يدفئ برد أرواحنا ويرسل لروحها بعض السكينة والمحبة.

دائرة تدور نقوشها حول مركزها

المقالة السابقة“سابع جار”.. أُلفةُ العادي
المقالة القادمةنَص حُر
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا