بقلم/ مها متولي
“هناك العديد من الأشخاص الذين سيخبرونك بأنك لست جيدًا بما فيه الكفاية، لكنك جيد بما فيه الكفاية”.
أريانا جراندي – كاتبة أغاني أمريكية
أحاول أن أتذكر تلك المرات التي تخليت فيها عن هدف أو حلم، لمجرد كلمة من أحدهم بأني لن أستطيع، وجدت أنها كثيرة، لكن أكثر ما أتذكره هو موقف معلمتي أمل.
المعلمة أمل
امرأة في أوائل الثلاثينيات تضع على وجهها الكثير من المساحيق، صوتها له نبرة رنانة. ما زلت أتذكر تلك التفاصيل بالرغم من مرور أكثر من ٢٠ عامًا. كانت هذه السيدة معلمة اللغة العربية للصف الثاني الابتدائي.
تقدمت نحوها أحمل دفتر التعبير ذا الجلاد الأخضر، أهندم ملابسي وأصفف شعري بيدي الصغيرة استعدادًا لإلقاء ما كتبت أمام التلاميذ.
أرفع صوتي قليلاً قائلة: “معلمة.. أنا خلصت موضوع التعبير عن حرب أكتوبر”، تمد يدها نحو الدفتر بتكاسل وتلقي نظرة سريعة على ما كتبت. تنظر إلّي فأبتسم، تلقي الدفتر قائلة: “إيه العك ده؟! إنتي عمرك ما هتعرفي تكتبي تعبير في حياتك”. أنصرف باكية.
منذ ذلك اليوم وطوال سنين تعيلمي أصبحت لا أحب الكتابة ولا موضوع التعبير، بل أصبحت مشهورة بين الطلبة والمدرسين بكرهي الشديد للكتابة والتعبير، رغم حبي للقراءة. إلى أن أنهيت دراستي الجامعية ونسيت قصة الكتابة وموضوعات التعبير، وعملت في مجال السياحة الذي يحتك بالبشر ولا يحتاج إلى كتابه، وتزوجت وأنجبت ابني الأول، وتعرضت لاكتئاب ما بعد الولادة.
وعندما قررت زيارة طبيب نفسي، وبعد عدة جلسات، قال لي إن أغلب الذين يعانون الاكتتاب كانوا يستغلون فترات اكتئابهم في الكتابة؛ لماذا لا تحاولي؟ أرد قائلة: “أنا فاشلة في الكتابة، أنا حتى فاشلة في موضوع التعبير”.
رد قائلاً: “وليه متجربيش؟! ده مش موضوع تعبير، ده جزء من العلاج، تكوني بتكتبي مشاعرك تجاه مواقف حياتية”.
بدأت فعلاً في ذلك كوسيلة للعلاج، وعندما أنهيت علاجي صافحني الطبيب مبتسمًا وقال: “أسلوبك في الكتابة شيق جدًا، حاولي تنمي المهارة دي” ضحكت قائلة: “شكرًا ع المجاملة”، رد في اقتضاب: “إنها حقيقة”. ابتمست ومضيت وأنا أحدث نفسي: ولمَ لا؟!
بعد ثلاث سنوات لم أكن فعلت أي شيء تجاه الكتابة سوى كتابة يوميات من حين لآخر، لكني تعرفت على موقع “نون”، وعندما سنحت الفرصة للمشاركة في باب القراء حدثت نفسي بجملة رضوي عاشور:
“وما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلاً مزججًا وملونًا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ ما الخطيئة في أن يتطلع إلى يوم جديد آملاً مستبشرًا؟!”.
وبدأت في إرسال أول مقال، وكان بعنوان “طقس الحكي في نون”، وتمت الموافقة عليه وتم نشره.
ودت يومها أن يكون التواصل بيني وبين المعلمة “أمل” ما زال قائمًا، لأخبرها بأني أستطيع وأني لست فاشلة في التعبير، وأني حاولت ونجحت. كنت أود أن تقرأ المقال وأسألها: “ماذا لو لم تلقِ الدفتر ذا الجلاد الأخضر؟”.
أنا فاشلة في الكتابة.. فاشلة حتى في موضوع التعبير